للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُسْلِمِينَ وَالتَّهْوِينِ عَلَيْهِمْ بِرَفْعِ كُلْفَةِ الْمَشْيِ عَنْهُمْ إلَى الْمَوَاضِعِ الْبَعِيدَةِ مِنْ بُيُوتِهِمْ بِسَبَبِ مَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ كُلُّهُ فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ

[فَصْلٌ شِرَاءِ الْخُلُولِ الَّتِي عُصِرَتْ أَوَّلًا بِنِيَّةِ الْخَمْرِ]

(فَصْلٌ)

وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَحَرَّزَ مِنْ شِرَاءِ الْخُلُولِ الَّتِي عُصِرَتْ أَوَّلًا بِنِيَّةِ الْخَمْرِ ثُمَّ فَسَدَتْ عَلَى صَاحِبِهَا فَصَارَتْ خَلًّا؛ لِأَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ كَافِرًا أَوْ مُسْلِمًا. فَإِنْ كَانَ كَافِرًا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَشْتَرِيَ ذَلِكَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ لَهُ عَلَى كُفْرِهِ وَجَبْرٌ لِثَمَنِ مَا عَصَرَهُ عَلَى أَنَّهُ خَمْرٌ وَبَعْضُ النَّصَارَى يَجْعَلُ الْخَلَّ فِي أَوْعِيَةِ الْخَمْرِ وَيَبِيعُهُ لِلْمُسْلِمِينَ بَلْ بَعْضُ مَنْ لَا يَتَحَرَّزُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَفْعَلُ ذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا فَيَتَعَيَّنُ هِجْرَانُهُ وَأَدَبُهُ وَأَقَلُّ مَا يُمْكِنُ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ أَنْ لَا يَجْبُرَ عَلَيْهِ ثَمَنَ ذَلِكَ فَلْيَتَحَفَّظْ مِنْهُ. وَقَدْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - فِيمَنْ يَعْمَلُ الْعِنَبَ خَلًّا: إنَّهُ لَا يَكْشِفُ عَنْهُ حَتَّى يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ قَدْ صَارَ خَلًّا وَمَا ذَاكَ إلَّا أَنَّهُ إنْ كَشَفَ عَنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَرَآهُ خَمْرًا تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ إرَاقَتُهُ وَغَسْلُ الْإِنَاءِ مِنْهُ وَغَسْلُ مَا أَصَابَهُ مِنْ وِعَاءٍ وَثَوْبٍ وَبَدَنٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ. هَذَا وَهُوَ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ إلَّا الْخَلَّ فَمَا بَالُك بِمَنْ قَصَدَ بِهِ الْخَمْرَ.

وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يَجْتَنِبَ مَا أَحْدَثَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ الْغِشِّ فِي الْخَلِّ؛ لِأَنَّ الْخَلَّ أَصْنَافٌ أَطْيَبُهُ وَأَنْفَعُهُ خَلُّ الْعِنَبِ فَيَغُشُّهُ بَعْضُهُمْ بِأَنْ يَأْخُذُوا حُبُوبًا مِنْ الْعِنَبِ فَيَجْعَلُونَهَا فِي خَلٍّ سِوَاهُ وَيَبِيعُونَهُ عَلَى أَنَّهُ خَلُّ الْعِنَبِ وَذَلِكَ غِشٌّ وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ خَلًّا، وَلَا يَبِيعَهُ وَفِيهِ بَقِيَّةُ تَخْمِيرٍ فَإِنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ خَمْرٌ بَعْدُ. وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَبِيعَ النَّضُوحَ، وَلَا يَشْتَرِيهِ وَفِيهِ بَقِيَّةٌ مِنْ التَّخْمِيرِ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ ارْتَكَبَ مُحَرَّمًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ إرَاقَتُهُ وَالتَّوْبَةُ مِمَّا وَقَعَ فِيهِ وَمَا كَانَ مُحَرَّمًا ذَهَبَتْ بَرَكَةُ مَنْفَعَتِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَ أُمَّتِي فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْهَا» وَهَذَا النَّوْعُ مِمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى فِي هَذَا الزَّمَانِ فَتَجِدُ بَعْضَ النَّاسِ يَسْتَعْمِلُونَ النَّضُوحَ وَصِفَاتُ الْخَمْرِ فِيهِ بَيِّنَةٌ لَا شَكَّ فِيهَا وَيَدَّعُونَ مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ نَضُوحٌ وَيَجْرِي ذَلِكَ بَيْنَهُمْ مَجْرَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْجَائِزَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>