للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيهِ التَّدْلِيسُ.

وَلِأَجْلِ هَذَا الْمَعْنَى كَانَ سَيِّدِي أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَحْكِي عَنْ شَيْخِهِ سَيِّدِي أَبِي الْحَسَنِ الزَّيَّاتِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ كَانَ يَتَّجِرُ فِي الزَّيْتِ وَيَقُولُ مَا مَعْنَاهُ: إنِّي لَا أَتَّجِرُ فِي الزَّيْتِ إلَّا مِنْ جِهَةِ أَنِّي لَا أَثِقُ بِنَفْسِي مِنْ أَنَّهَا لَا تُدَلِّسُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَالزَّيْتُ لَا يَقْبَلُ التَّدْلِيسَ؛ لِأَنَّ الْكَثِيرَ مِنْهُ إذَا خُلِطَ بِهِ شَيْءٌ مَا مِنْ الرَّدِيءِ رَجَعَ كُلُّهُ رَدِيئًا وَإِذَا لَمْ يُخْلَطْ بِهِ شَيْءٌ وَبَقِيَ فِي أَوْعِيَتِهِ تَصَفَّى وَطَابَ فَآمَنُ عَلَى نَفْسِي مِنْ الْغِشِّ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَهُوَ أَحْسَنُ مَا يَتَّجِرُ فِيهِ الْمَرْءُ لِهَذَا الْمَعْنَى.

(فَصْلٌ)

وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَخْلِطَ جِنْسَ زَيْتٍ بِجِنْسِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الزُّيُوتَ عَلَى أَنْوَاعٍ: زَيْتُ الزَّيْتُونِ وَهُوَ أَعْظَمُهَا وَأَعَمُّهَا نَفْعًا. وَيَلِيهِ زَيْتُ السِّمْسِمِ وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الشَّيْرَجُ ثُمَّ زَيْتُ الْقُرْطُمِ ثُمَّ زَيْتُ السَّلْجَمِ ثُمَّ بِزْرُ الْكَتَّانِ فَلَا يُخْلَطُ أَحَدُ هَذِهِ الزُّيُوتِ بِغَيْرِهَا. وَكَذَلِكَ لَا يُخْلَطُ فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْهُ طَيِّبُهُ بِرَدِيئِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّدْلِيسِ، ثُمَّ إنَّهُ يَعُودُ وَبَالُ ذَلِكَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الطَّيِّبَ يَرْجِعُ رَدِيئًا إذَا خُلِطَ بِالْقَلِيلِ مِنْ الرَّدِيءِ فَإِنْ خَلَطَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ كَانَ ذَلِكَ أَشَدَّ فِي الْمَنْعِ يَضُرُّ بِهِ.

وَكَذَلِكَ اخْتِلَافُ مَنْفَعَةِ الزُّيُوتِ فِي الْقَلْيِ بِهَا وَغَيْرُهُ وَهُوَ كَثِيرٌ.

وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ التَّدْلِيسِ قَدْ كَثُرَ فِي هَذَا الزَّمَانِ، حَتَّى إنَّك لَتَجِدُ بَعْضَ مَنْ يَقْلِي الزَّلَابِيَةَ أَوْ السَّمَكَ أَوْ غَيْرَهُمَا فِي السُّوقِ يَقْلِيهِ فِي الزَّيْتِ الْحَارِّ وَهُوَ غِشٌّ وَتَدْلِيسٌ وَمُضِرٌّ لِآكِلِهِ فِي بَدَنِهِ وَلِبَائِعِهِ فِي دِينِهِ وَهَذَا فِي الْبِلَادِ الَّتِي لَمْ تَطِبْ نُفُوسُ أَهْلِهَا بِاسْتِعْمَالِهِ فَلْيَتَحَفَّظْ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ

(فَصْلٌ)

وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْعَطَّارِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ كَيْفِيَّةُ نِيَّتِهِمَا فِيمَا يُحَاوِلَانِهِ مِنْ السِّلَعِ وَبِأَيِّ نِيَّةٍ يَجْلِسَانِ فِي الدَّكَاكِينِ وَبِأَيِّ نِيَّةٍ يَبِيعَانِ وَيَشْتَرِيَانِ فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الزَّيَّاتِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ وَمَنْ هُوَ بِقُرْبِ الْبُيُوتِ أَوْ بِالْبُعْدِ مِنْهَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَالْكَلَامُ عَلَى هَذَا كَالْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ سَوَاءٌ بِسَوَاءٍ مِنْ التَّيْسِيرِ عَلَى إخْوَانِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>