فِيمَا هُوَ كَذَلِكَ كَمَا لَا تَصِحُّ فِي بَيْتِ الْقَنَادِيلِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي التَّحْجِيرِ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَوْ قَدَّرْنَا أَنَّ السُّطُوحَ لَيْسَتْ بِمَحْجُورَةٍ عَلَى أَحَدٍ فَالْحُكْمُ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِلْغَالِبِ، وَالْغَالِبُ أَنَّهَا مَحْجُورَةٌ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.
[فَصْلٌ الْوُضُوءَ فِي سَطْحِ الْمَسْجِدِ]
(فَصْلٌ) وَقَدْ مَنَعَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الْوُضُوءَ فِي سَطْحِ الْمَسْجِدِ وَمَنْ كَانَ سَاكِنًا فِي سُطُوحِهِ؛ فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ فِيهِ لِلضَّرُورَةِ كَمَا يُشَاهَدُ مِنْ عَوَائِدِهِمْ فِيهِ، وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ لَا شَكَّ فِيهِ كَمَا لَا يَتَوَضَّأُ فِي دَاخِلِ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ سَطْحِهِ كَحُرْمَتِهِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي الْخَطِيبِ إذَا أَحْدَثَ فِي أَثْنَاءِ خُطْبَتِهِ أَوْ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ فِي الْمَسْجِدِ؟ فَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَتَوَضَّأَ فِي صَحْنَهِ وُضُوءَ طَاهِرٍ.
وَكَرِهَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي طَسْتٍ وَمَنْ يَتَوَضَّأُ فِي السُّطُوحِ أَوْ فِي الْبُيُوتِ الَّتِي فِيهَا فَإِنَّمَا يَتَوَضَّأُ فِيمَا هُوَ دَاخِلُ الْمَسْجِدِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ مَمْنُوعٌ.
وَقَدْ تَرَتَّبَتْ عَلَى بِنَاءِ الْبُيُوتِ فِي سُطُوحِ الْمَسْجِدِ مَفَاسِدُ جُمْلَةً. فَمِنْهَا: أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ مِمَّنْ يَعْتَكِفُ فِي الْبُيُوتِ الَّتِي فَوْقَ سُطُوحِ الْمَسْجِدِ تَجِدُهُمْ أَوَّلَ شَهْرِ رَمَضَانَ أَوْ آخِرَ شَعْبَانَ يَتَقَدَّمُهُ الْفُرُشُ وَالْغِطَاءُ وَالْوِطَاءُ وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي بَيْتِهِ مِمَّا يُمْنَعُ فِعْلُهُ فِي الْمَسْجِدِ. وَقَدْ مَنَعَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ بِوِسَادَةٍ فِي الْمَسْجِدِ يَتَّكِئُ عَلَيْهَا أَوْ بِفَرْوَةٍ يَجْلِسُ عَلَيْهَا وَأَنْكَرَ ذَلِكَ، وَقَالَ: تُشَبِّهُ الْمَسَاجِدَ بِالْبُيُوتِ.
[فَصْلٌ فِي الْمَرَاوِح وَاِتِّخَاذَهَا فِي الْمَسْجِدِ]
(فَصْلٌ) وَقَدْ مَنَعَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الْمَرَاوِحَ إذْ إنَّ اتِّخَاذَهَا فِي الْمَسْجِدِ بِدْعَةٌ، ثُمَّ إنَّ بَعْضَهُمْ الْغَالِبُ عَلَيْهِمْ الْيَوْمَ زِيَارَةُ الْمُعْتَكِفِ فِي مُعْتَكَفِهِ وَكَثْرَةُ الْكَلَامِ فِي الْمَسْجِدِ وَاللَّغَطُ فِيهِ، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ ذَلِكَ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ.
وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - إذَا اعْتَكَفُوا لَا يَأْتِيهِمْ أَحَدٌ حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْ اعْتِكَافِهِمْ إذْ إنَّ حَالَ الْمُعْتَكِفِ يَدُورُ بَيْنَ صَلَاةٍ وَتِلَاوَةٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute