للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَى مَنْ يُكَاتِبُهُ مِنْ وُلَاتِهِ مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ إلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ إلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَكُتُبُهُمْ لَهُ. مِنْ أَبِي عُبَيْدَةَ إلَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَوَصَفُوهُ بِالصِّفَةِ الْمُلَازِمَةِ لَهُ.

فَإِنْ قِيلَ: قَدْ كَتَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى هِرَقْلَ: مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ.

فَالْجَوَابُ مَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي سِرَاجِ الْمُرِيدِينَ لَهُ أَنَّ مَعْنَى. كَتْبَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ أَيْ الَّذِي يُعَظِّمُهُ الرُّومُ وَتَعْظِيمُ الرُّومِ لَهُ بَاطِلٌ وَلَكِنَّهُ مَوْجُودٌ حَقِيقَةً فَلِذَلِكَ وَصَفَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ وَعَلَى هَذَا دَرَجَ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَتَعْظِيمُ هَذِهِ الطَّائِفَةِ إنَّمَا هُوَ بِالْقُلُوبِ لَا بِاللَّقْلَقَةِ مِنْ الْأَلْسُنِ كَمَا هُوَ الْحَالُ فِي هَذَا الزَّمَانِ فَهَذِهِ بَعْضُ نُبَذٍ يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى مَا عَدَاهَا.

وَأَمَّا طَرِيقُ كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَرَاءِ الْمُسَافِرِينَ أَعْنِي غَيْرَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْهُمْ فَلَهُمْ اصْطِلَاحَاتٌ وَعَوَائِدُ قَلَّ أَنْ تَجِدَ لِلِاتِّبَاعِ فِيهَا سَبِيلًا، فَمِنْ ذَلِكَ مَا كَانُوا يُوجِبُونَهُ عَلَى مَنْ يُرِيدُونَ أَخْذَ ثِيَابِهِ وَغَيْرِهَا مِنْ مُتَطَلَّبَاتٍ كَثِيرَةٍ يُسَمُّونَهَا شُغْلَ الْفُقَرَاءِ وَلَيْسَ هَذَا الْحَالُ خَاصًّا بِهِمْ، وَذَلِكَ كُلُّهُ مَمْنُوعٌ فِي الشَّرْعِ الشَّرِيفِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» وَهُمْ يَأْخُذُونَ ذَلِكَ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ مِنْ صَاحِبِهِ حَتَّى أَنَّهُمْ لَيُكَلِّفُونَ مَنْ كَانَ فَقِيرًا إلَى الْمَسْأَلَةِ بِالْإِلْحَاحِ وَتَكْلِيفِ النَّاسِ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ فِعْلِهِمْ فِي الضِّيَافَاتِ وَالْإِجَازَاتِ، وَأَحْوَالُهُمْ فِي هَذَا الْمَعْنَى قَلَّ أَنْ تَنْحَصِرَ، وَفِيمَا ذُكِرَ تَنْبِيهٌ عَلَى مَا عَدَاهُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

[فَصْلٌ فِي صَرْفِ هِمَمِ الْمُرِيدِ كُلِّهَا إلَى الْآخِرَةِ وَأُمُورِهَا]

وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَكُونَ أَهَمُّ الْأُمُورِ عَلَيْهِ وَآكَدُهَا عِنْدَهُ أُمُورَ الْآخِرَةِ إذْ إنَّهُ مَصِيرُهُ إلَيْهَا فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ إيثَارُهَا وَلَا يَعْبَأُ بِغَيْرِ ذَلِكَ إلَّا مِنْ طَرِيقِ الِامْتِثَالِ؛ لِأَنَّ غَيْرَ أَمْرِ الْآخِرَةِ مُنْقَطِعٌ زَائِلٌ وَمَا هُوَ كَذَلِكَ فَأَمْرُهُ أَقْرَبُ وَأَيْسَرُ مِنْ الدَّائِمِ الَّذِي

<<  <  ج: ص:  >  >>