كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «كَيْفَ بِكُمْ إذَا فَسَقَ فِتْيَانُكُمْ وَطَغَى نِسَاؤُكُمْ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّ ذَلِكَ لَكَائِنٌ قَالَ: نَعَمْ وَأَشَدُّ كَيْفَ بِكُمْ إذَا لَمْ تَأْمُرُوا بِمَعْرُوفٍ وَلَمْ تَنْهَوْا عَنْ مُنْكَرٍ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّ ذَلِكَ لَكَائِنٌ قَالَ: نَعَمْ وَأَشَدُّ، كَيْفَ بِكُمْ إذَا رَأَيْتُمْ الْمَعْرُوفَ مُنْكَرًا، وَالْمُنْكَرَ مَعْرُوفًا؟» .
وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
[فَصَلِّ اعتقاد المشتبهين بالمشايخ وَأَهْل الإرادة يدور بَيْن أمرين]
(فَصْلٌ) : ثُمَّ إنَّ غَالِبَ حَالِهِمْ أَنَّ اعْتِقَادَهُمْ يَدُورُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ. فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ اعْتِقَادُهُ شَهْوَةً فَيَعْقِدُهُ مُدَّةً، ثُمَّ يَنْحَلُّ عَنْ اعْتِقَادِهِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَدُومُ اعْتِقَادُهُ لَكِنْ يَزِيدُ فِي اعْتِقَادِهِ وَيَتَغَالَى فِيهِ فَيَقُولُ هَذَا بَدَلٌ هَذَا قُطْبٌ كَمَا تَقَدَّمَ. وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَيَتَنَاقَضُ قَوْلُهُمْ إذْ إنَّ الْقُطْبَ إنَّمَا هُوَ وَاحِدٌ، وَهُوَ أَعَزُّ مِنْ أَنْ يَجْتَمِعَ بِهِ إلَّا الْوَاحِدُ مِنْ الْأَفْذَاذِ وَمَعَ ذَلِكَ قَلَّ مَنْ يَعْرِفُهُ؛ لِأَنَّ صِفَتَهُ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصَّقَلِّيُّ فِي كِتَابِ الْأَنْوَارِ لَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُدِيرُ الْقُطْبَ فِي الْآفَاقِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ أَرْكَانِ الدُّنْيَا كَدَوَرَانِ الْفُلْكِ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ، وَقَدْ سُتِرَتْ أَحْوَالُ الْغَوْثِ، وَهُوَ الْقُطْبُ عَنْ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ غَيْرَة مِنْ الْحَقِّ عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّهُ يَرَى عَالِمًا جَاهِلًا أَبْلَهَ فَطِنًا تَارِكًا آخِذًا قَرِيبًا بَعِيدًا سَهْلًا عَسِرًا آمِنًا حَذِرًا.
وَمِنْهُمْ مَنْ إذَا حَصَلَ لَهُ اعْتِقَادٌ فِي شَيْخٍ بِعَيْنِهِ نَقَّصَ غَيْرَهُ، أَوْ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ وَيَقَعُ بِسَبَبِ ذَلِكَ شَنَآنٌ بَيْنَ أَصْحَابِهِمْ وَمَنْ يَنْتَمُونَ إلَيْهِمْ حَتَّى أَنَّهُمْ لَيَرْجِعُونَ أَحْزَابًا وَيَهْجُرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لِعَدَمِ تَسْلِيمِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ حَدَّثَنِي بَعْضُ الْفُقَرَاءِ مِمَّنْ كَانَ يَحْضُرُ مَجْلِسَ سَيِّدِي أَبِي مُحَمَّدٍ الْمَرْجَانِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ كَانَ يَسْمَعُهُ، وَهُوَ يُعَظِّمَ سَيِّدِي أَبَا مُحَمَّدِ بْنَ أَبِي جَمْرَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَكَانَ هَذَا الْفَقِيرُ يَقُولَ فِي نَفْسِهِ مَا هَذَا إلَّا رَجُلٌ كَبِيرُ الْقَدْرِ مِثْلُ هَذَا السَّيِّدِ يُعَظِّمُهُ قَالَ: فَمَضَيْتُ يَوْمًا إلَيْهِ حَتَّى أَرَاهُ فَدَخَلْتُ إلَى الْمَسْجِدِ، وَهُوَ يَتَكَلَّمُ فِي الدَّرْسِ، وَالْقَارِئُ يَقْرَأُ عَلَيْهِ فَرَأَيْتُ عِبَارَتَهُ دُونَ عِبَارَةِ سَيِّدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَبِي مُحَمَّدٍ الْمَرْجَانِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute