الطِّفْلَ يَسْكُنُ إلَى الصَّوْتِ الطَّيِّبِ، وَالْجَمَلَ يُقَاسِي تَعَبَ السَّيْرِ، وَمَشَقَّةَ الْحُمُولِ إذَا سَمِعَ الْحِدَاءَ، قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ بَعْضَ مُلُوكِ الْعَجَمِ مَاتَ، وَخَلَفَ ابْنًا صَغِيرًا فَأَرَادُوا أَنْ يُبَايِعُوهُ فَقَالُوا: كَيْفَ نَصِلُ إلَى عَقْلِهِ، وَذَكَائِهِ؟ فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِقَوَّالٍ فَإِنْ أَحْسَنَ الْإِصْغَاءَ عَلِمُوا كِيَاسَتَهُ، فَلَمَّا أَسْمَعُوهُ الْقَوَّالَ ضَحِكَ الرَّضِيعُ فَقَبَّلُوا الْأَرْضَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَبَايَعُوهُ، فَالْجَوَابُ اُنْظُرُوا يَا ذَوِي الْأَلْبَابِ كَيْفَ قَادَهُمْ رُكُوبُ الْهَوَى، وَعِشْقُ الْبَاطِلِ، وَقِلَّةُ الْحِيلَةِ إلَى هَذِهِ السَّخَافَةِ وَحَسْبُك مِنْ مَذْهَبٍ إمَامُهُمْ فِيهِ - الْأَنْعَامُ، وَالصِّبْيَانُ فِي الْمَهْدِ، وَهَكَذَا يَفْضَحُ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ اتَّبَعَ الْبَاطِلَ، وَحَسْبُك مِنْ عُقُولٍ لَا تَقْتَدِي بِأَحْبَارِ الْمُسْلِمِينَ وَعُلَمَائِهِمْ، وَتَقْتَدِي بِالْإِبِلِ فَلَئِنْ كَانَ كُلُّ مَا طَرِبَتْ بِهِ الْبَهَائِمُ مَنْدُوبًا أَوْ مُبَاحًا فَإِنَّا نَرَى الْبَهِيمَةَ تَدُورُ عَلَى أَمِّهَا، وَأُخْتِهَا، وَتَرْكَبُ بِنْتَهَا فَيَلْزَمُ الِاقْتِدَاءُ بِالْبَهِيمَةِ فِي مِثْلِ هَذَا
[فَصْلٌ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِالْأَلْحَانِ]
(فَصْلٌ) فَإِنْ سَأَلُوا عَنْ مَعْنَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بِالْأَلْحَانِ: فَالْجَوَابُ أَنَّ مَالِكًا قَالَ: وَلَا تُعْجِبُنِي الْقِرَاءَةُ بِالْأَلْحَانِ، وَلَا أُحِبُّهُ فِي رَمَضَانَ، وَلَا غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْغِنَاءَ، وَيُضْحَكُ بِالْقُرْآنِ، فَيُقَالُ: فُلَانٌ أَقْرَأُ مِنْ فُلَانٍ قَالَ: وَبَلَغَنِي أَنَّ الْجَوَارِيَ يُعَلَّمْنَ ذَلِكَ كَمَا يُعَلَّمْنَ الْغِنَاءَ أَيْنَ هَذَا مِنْ الْقِرَاءَةِ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ بِهَا؟ ، قَالَ: وَلَا يُعْجِبُنِي النَّبْرُ، وَالْهَمْزُ يَقُولُ لَا يُرَجَّعُ فِي الْقُرْآنِ، وَلَا يُقْطَعُ بِالْأَلْحَانِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِزِيَادَةِ هَمَزَاتٍ فِي الْقُرْآنِ، وَالزِّيَادَةُ فِي الْقُرْآنِ لَا تَجُوزُ، وَقِيلَ لِمَالِكٍ: هَلْ يَقْرَأُ الرَّجُلُ فِي الطُّرُقَاتِ؟ قَالَ: لَا إلَّا الشَّيْءَ الْيَسِيرَ، وَأَمَّا الَّذِي يُدِيمُ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ قِيلَ لَهُ فَالرَّجُلُ يَخْرُجُ إلَى السُّوقِ أَيَقْرَأُ فِي نَفْسِهِ مَاشِيًا؟ فَقَالَ: أَكْرَهُ أَنْ يَقْرَأَ فِي السُّوقِ، وَسُئِلَ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِي الْحَمَّامِ قَالَ: لَيْسَ مَوْضِعَ قِرَاءَةٍ، وَإِنْ قَرَأَ الْإِنْسَانُ الْآيَةَ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ قِيلَ لَهُ فَالرَّجُلُ يَخْرُجُ إلَى قَرْيَتِهِ فَيَقْرَأُ مَاشِيًا قَالَ: نَعَمْ قَالَ: سَحْنُونَ لَا بَأْسَ أَنْ يَقْرَأَ الرَّاكِبُ، وَالْمُضْطَجِعُ، وَسُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي لَيْلَةٍ قَالَ: مَا أَجْوَدُ ذَلِكَ لِمَنْ أَطَاقَهُ قَالَ مَالِكٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute