للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنْتُمْ عِنْدِي كَأَنْبِيَائِي اذْهَبُوا فَاخْتَرِقُوا الصُّفُوفَ فَاشْفَعُوا تُشَفَّعُوا، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَيَنْبَغِي الِاعْتِنَاءُ بِأَمْرِ الْعَالِمِ، وَتُقَدَّمُ رُتْبَتُهُ بِالذِّكْرِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الرُّتَبِ الْبَاقِيَةِ إذْ أَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ لَهُمْ فِي مَقَامِهِ الَّذِي أُقِيمَ فِيهِ وَالْبَاقُونَ مُحْتَاجُونَ إلَيْهِ مُضْطَرُّونَ لَا تَتِمُّ لَهُمْ صَفْقَةٌ وَلَا يَتَقَوَّمُ لَهُمْ أَمْرٌ إلَّا بِدُخُولِ الْعَالِمِ بَيْنَهُمْ، وَإِلَّا كَانَ سَعْيُهُمْ هَبَاءً مَنْثُورًا فَجَاءَ مَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَوَاءً بِسَوَاءٍ «نِعْمَ الرَّجُلُ الْعَالِمُ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ نَفَعَ وَإِنْ اُسْتُغْنِيَ عَنْهُ أَغْنَى نَفْسَهُ بِاَللَّهِ» .

وَبِالْكَلَامِ عَلَى الْعَالِمِ وَتَمْيِيزِ مَقَامِهِ يَنْدَرِجُ غَيْرُهُ فِيهِ مِنْ مُتَعَلِّمٍ أَوْ غَيْرِهِ.

وَأَبْقَيْت بَقِيَّةً مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْبَاقِينَ وَسَنَذْكُرُ كُلًّا مِنْهُمْ عَلَى انْفِرَادِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

[فَصْلٌ فِي الْعَالِمِ وَكَيْفِيَّةِ نِيَّتِهِ]

(فَصْلٌ) فِي الْعَالِمِ وَكَيْفِيَّةِ نِيَّتِهِ وَهَدْيِهِ وَأَدَبِهِ فَأَوَّلُ مَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُحْسِنَ نِيَّتَهُ جَهْدَهُ مَا اسْتَطَاعَ أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ مَنْ ذُكِرَ إذْ أَنَّ مَا هُوَ فِيهِ هُوَ أَصْلُ الدِّينِ وَعِمَادُهُ، وَكُلُّ مَنْ بَقِيَ مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ فَرْعٌ عَنْهُ وَتَابِعٌ لَهُ كَأَصْلِ الشَّجَرَةِ إنْ اسْتَقَامَ اسْتَقَامَتْ الْفُرُوعُ وَإِنْ أَصَابَتْ الْأَصْلَ آفَةٌ هَلَكَتْ الْفُرُوعُ وَالنِّيَّةُ هِيَ الْأَصْلُ لِإِحْرَازِ هَذَا الْأَصْلِ إنْ كَانَ حَسَنًا يَسْلَمُ صَاحِبُهُ مِنْ الْعَاهَاتِ وَالْآفَاتِ وَالْبَلِيَّاتِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نِيَّةُ الْمَرْءِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ» .

وَلَا يُوجَدُ فِي الْأَعْمَالِ كُلِّهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ أَفْضَلُ مِنْ الْعِلْمِ، وَذَلِكَ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ فِيهِ حَسَنَةً فَإِذَا كَانَتْ النِّيَّةُ حَسَنَةً كَانَ أَفْضَلَ الْأَعْمَالِ، وَإِلَّا فَتَكُونُ الْأَعْمَالُ تَفْضُلُهُ بِحَسَبِ مَا كَانَتْ النِّيَّةُ فِيهِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِابْنِ وَهْبٍ لَمَّا أَنْ قَامَ إلَى الصَّلَاةِ مَا الَّذِي قُمْت إلَيْهِ بِأَوْجَبَ عَلَيْك مِنْ الَّذِي قُمْت عَنْهُ، وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ ذَلِكَ لَمَّا كَانَتْ نِيَّاتُهُمْ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ مَا كَانَتْ فَكَانَ طَلَبُ الْعِلْمِ لَا يَفُوقُهُ غَيْرُهُ وَالصَّلَاةُ تُدْرَكُ؛ لِأَنَّ وَقْتَهَا مُمْتَدٌّ وَمَسَائِلَ الْعِلْمِ تَفُوتُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ

<<  <  ج: ص:  >  >>