مَنْ يَخْدُمُ الْمَرِيضَ، وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى قَوْلِ الْمَرِيضِ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمُعَالِجَ رُبَّمَا عَرَفَ مَا بِالْمَرِيضِ أَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ مِثْلَهُ فَيَحْصُلُ بِسَبَبِهِ مِنْ الْكَشْفِ وَالتَّثَبُّتِ مَا يَقْرُبُ مِنْ الْيَقِينِ بِمَعْرِفَةِ الْمَرَضِ.
وَيَنْبَغِي لِلطَّبِيبِ أَنْ يَكُونَ النَّاسُ عِنْدَهُ عَلَى أَصْنَافٍ، وَلَا يَجْعَلَهُمْ صِنْفًا وَاحِدًا فَصِنْفٌ يَأْخُذُ مِنْهُمْ وَصِنْفٌ لَا يَأْخُذُ مِنْهُمْ وَصِنْفٌ إذَا وَصَفَ لَهُمْ شَيْئًا أَعْطَى لَهُمْ مَا يُنْفِقُونَهُ فِيهِ:
فَالْأَوَّلُ - إذَا بَاشَرَ مَنْ لَهُ سَعَةٌ فِي دُنْيَاهُ.
وَالثَّانِي - مُبَاشَرَةُ الْعُلَمَاءِ وَالصُّلَحَاءِ الْمَسْتُورِينَ فِي حَالِ دُنْيَاهُمْ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَبَرَّكَ بِالْمُبَادَرَةِ إلَى طِبِّهِمْ وَقَضَاءِ حَوَائِجِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ شَيْئًا فَإِنْ بَذَلُوا لَهُ شَيْئًا رَدَّهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُحْتَاجًا فَلَا بَأْسَ بِأَخْذِهِ إذَنْ.
وَالصِّنْفُ الثَّالِثُ - مُبَاشَرَةُ الْفُقَرَاءِ الَّذِينَ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى كِفَايَتِهِمْ فِي حَالِ الصِّحَّةِ فَهَؤُلَاءِ يُعْطِيهِمْ ثَمَنَ مَا يَصِفُهُ لَهُمْ إنْ كَانَتْ لَهُ جِدَةٌ. وَقَدْ رَأَيْت بَعْضَ الْأَطِبَّاءِ فِيهِ هَذِهِ الْخِصَالُ الْحَمِيدَةُ أَوْ بَعْضُهَا
[فَصْلٌ يَنْبَغِي لِلطَّبِيبِ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِحَالِ الْمَرِيضِ فِي حَالِ صِحَّتِهِ]
(فَصْلٌ) وَيَنْبَغِي لِلطَّبِيبِ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِحَالِ الْمَرِيضِ فِي حَالِ صِحَّتِهِ فِي مِزَاجِهِ وَمُرَبَّاهُ وَإِقْلِيمِهِ وَمَا اعْتَادَهُ مِنْ الْأَطْعِمَةِ وَالْأَدْوِيَةِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ فَبِالسُّؤَالِ مِنْ الْمَرِيضِ أَوْ مِمَّنْ يَلُوذُ بِهِ فَيَعْمَلُ عَلَى مُقْتَضَى ذَلِكَ كُلِّهِ.
وَقَدْ جَرَى بِمَدِينَةِ فَاسَ أَنَّ السُّلْطَانَ مَرِضَ مَرَضًا شَدِيدًا وَكَانَ فِي وَقْتِهِ طَبِيبٌ عَارِفٌ حَاذِقٌ فَاسْتَطَبَّهُ فَلَمْ يَفِدْ شَيْئًا فَوَجَدَ السُّلْطَانُ عَلَى الطَّبِيبِ وَأَرَادَ أَنْ يُحَرِّفَ بِهِ فَقَالَ لَهُ الطَّبِيبُ: إنْ أَرَدْت أَنْ تَسْتَرِيحَ فَاخْرُجْ إلَى الْبَرِّيَّةِ وَادْخُلْ فِي بَيْتٍ مِنْ شَعْرٍ وَافْرِشْ الْمَوْضِعَ الَّذِي تَضْطَجِعُ فِيهِ بِالْعَزَفِ وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْحَلْفَاءِ الَّذِي يُوقَدُ بِهِ النَّارُ وَأَزِلْ مَا عَلَيْك مِنْ الثِّيَابِ وَالْتَفَّ فِي كِسَاءٍ وَاضْطَجِعْ عَلَى الْعَزَفِ وَأْمُرْ مَنْ يَطْبُخُ لَك مُفْتَلَّةً دَاخِلَ بَيْتِ الشَّعْرِ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ أَوْ اُطْبُخْهَا أَنْتَ بِنَفْسِك وَاسْتَنْشِقْ دُخَانَ تِلْكَ النَّارِ الَّتِي تَحْتَ الْقِدْرِ فَإِذَا نَضِجَ الطَّعَامُ فَكُلْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute