للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِخِلَافِ مَا يَفْعَلُهُ أَكْثَرُ الْأَطِبَّاءِ فِي هَذَا الزَّمَانِ فَإِنَّهُمْ لَا يُمْهِلُونَ عَلَى الْمَرِيضِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ ذِكْرِ حَالِهِ لَهُ بَلْ عِنْدَ مَا يَشْرَعُ فِي ذِكْرِ حَالِهِ يُجِيبُ الطَّبِيبُ وَيَكْتُبُ وَالْمَرِيضُ بَعْدُ لَمْ يَفْرُغْ مِنْ ذِكْرِ حَالِهِ لَهُ ثُمَّ إنَّ بَعْضَهُمْ يَزْعُمُ بِرَأْيِهِ أَنَّ هَذَا مِنْ قُوَّةِ الْمَعْرِفَةِ وَالْحِذْقِ وَكَثْرَةِ الدِّرَايَةِ بِالصِّنَاعَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعَجَلَةَ فِي حَقِّ غَيْرِ الطَّبِيبِ قَبِيحَةٌ لِمُخَالَفَتِهَا لِآدَابِ السُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ فَكَيْفَ بِهَا فِي حَقِّ الطَّبِيبِ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْمَعَ كَلَامَ الْمَرِيضِ إلَى آخِرِهِ فَلَعَلَّ آخِرَهُ يَنْقُضُ أَوَّلَهُ أَوْ بَعْضَهُ وَلَرُبَّمَا غَلِطَ الْمَرِيضُ فِي ذِكْرِ حَالِهِ أَوْ عَجَزَ عَنْ التَّعْبِيرِ عَنْهُ فَإِذَا كَانَ الطَّبِيبُ مِمَّنْ يَتَأَنَّى عَلَى الْمَرِيضِ وَيُعِيدُ عَلَيْهِ السُّؤَالَ بِرِفْقٍ وَتَلَطُّفٍ أَمِنَ مِنْ الْغَلَطِ فَإِنَّ الْغَلَطَ فِي هَذَا خَطَرٌ، إذْ إنَّهُ قَدْ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ وَأَصْلُ الطِّبِّ كُلِّهِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ مَعْرِفَةُ الْمَرَضِ فَإِذَا عُرِفَ الْمَرَضُ سَهُلَ تَدَاوِيهِ فِي الْغَالِبِ فَلِأَجْلِ هَذَا الْمَعْنَى يَتَعَيَّنُ عَلَى الطَّبِيبِ التَّرَبُّصُ وَالتَّأَنِّي لَعَلَّهُ يَعْرِفُ الْمَرَضَ عَلَى حَقِيقَتِهِ دُونَ تَخْمِينٍ، وَيَتَعَيَّنُ عَلَى الطَّبِيبِ إنْ كَانَ لَا يَعْرِفُ الْمَرَضَ أَوْ عَرَفَهُ وَلَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِدَوَائِهِ أَنْ لَا يَكْتُبَ أَوْرَاقًا بِأَشْرِبَةٍ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إضَاعَةُ مَالٍ.

وَقَدْ وَقَعَ لِي مَعَ بَعْضِ الْأَطِبَّاءِ أَنَّهُ كَانَ يَتَرَدَّدُ إلَيَّ فِي مَرَضٍ كَانَ بِي وَيَصِفُ أَشْرِبَةً وَأَدْوِيَةً يُنْفَقُ فِيهَا نَفَقَةٌ جَيِّدَةٌ فَطَالَ الْأَمْرُ عَلَيَّ فَقَطَعْته وَعَوَّضْت مَوْضِعَ تِلْكَ النَّفَقَةِ خُبْزًا أَتَصَدَّقُ بِهِ بِنِيَّةِ امْتِثَالِ السُّنَّةِ فِي دَفْعِ ذَلِكَ الْمَرَضِ فَمَا كَانَ إلَّا قَلِيلٌ وَفَرَّجَ اللَّهُ عَنِّي وَحَصَلَتْ الْعَافِيَةُ. فَلَمَّا أَنْ خَرَجْت لَقِيت الطَّبِيبَ فَسَأَلْته عَمَّا كَانَ يَكْتُبُهُ مِنْ الْأَشْرِبَةِ وَالْأَدْوِيَةِ وَأَيُّ مَنْفَعَةٍ كَانَتْ فِيهَا لِذَلِكَ الْمَرَضِ فَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا فِيهَا شَيْءٌ إلَّا أَنَّهُ يَقْبُحُ بِالطَّبِيبِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ عِنْدِ الْمَرِيضِ، وَلَا يَصِفُ لَهُ شَيْئًا؛ لِئَلَّا يُوحِشَهُ بِذَلِكَ وَهَذَا مِنْ بَابِ إضَاعَةِ الْمَالِ.

وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ سِيَّمَا إنْ كَانَ الْمَرِيضُ فَقِيرًا فَمَنْعٌ عَلَى مَنْعٍ. وَهَذَا إنْ كَانَ مَا وَصَفَهُ لَا يَقَعُ بِسَبَبِهِ ضَرَرٌ لِلْمَرِيضِ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَيُمْنَعُ وَلِمَا فِيهِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ كَمَا تَقَدَّمَ.

وَيَنْبَغِي لِلطَّبِيبِ أَنْ يَسْأَلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>