وَلِلْمُسْلِمِينَ أَوْ لِجَمِيعِ ذَلِكَ كُلِّهِ.
وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي حُضُورِ جَنَائِزِهِمْ يَتَنَاكَرُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ إذَا دَخَلَ عَلَيْهِمْ شَهْرُ رَمَضَانَ حَتَّى إذَا رَجَعُوا لِلْبَلَدِ تَعَارَفُوا عَلَى عَادَتِهِمْ فِي وُدِّهِمْ الشَّرْعِيِّ. ثُمَّ الْعَجَبُ مِنْ بَعْضِهِمْ فِي كَوْنِهِمْ يَسْبِقُونَ الْجِنَازَةَ وَيَجْلِسُونَ يَنْتَظِرُونَهَا وَيَتَحَدَّثُونَ إذْ ذَاكَ فِي التِّجَارَاتِ وَالصَّنَائِعِ وَفِي مُحَاوَلَةِ أُمُورِ الدُّنْيَا. وَمَنْ كَانَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ كَيْفَ يُرْجَى قَبُولُ شَفَاعَتِهِ؟ بَلْ بَعْضُهُمْ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَالْمَيِّتُ يُقْبَرُ فِي الْغَالِبِ، بَلْ بَعْضُهُمْ يَتَضَاحَكُونَ حِينَ يَتَكَلَّمُونَ وَآخَرُونَ يَتَبَسَّمُونَ وَآخَرُونَ يَسْتَمِعُونَ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ.
[يَنْبَغِي أَنْ يَشْرَعَ أَوَّلًا فِي حَفْرِ الْقَبْرِ قَبْلَ الْأَخْذِ فِي غُسْلِهِ]
وَيَنْبَغِي أَنْ يَشْرَعَ أَوَّلًا فِي حَفْرِ الْقَبْرِ قَبْلَ الْأَخْذِ فِي غُسْلِهِ. وَقَدْ كَانَ الْغَالِبُ عَلَى حَالِ السَّلَفِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنْ يَحْفِرَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْغُسْلِ، وَعَلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْحِجَازِ إلَى الْيَوْمِ، وَلَا بَأْسَ بِإِجَارَةِ مَنْ يَحْفِرُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحَفْرُ فِي الْمَقْبَرَةِ؛ لِأَنَّهُ يُؤْمَنُ عَلَيْهِ فِيهَا بِخِلَافِ أَنْ لَوْ دُفِنَ فِي غَيْرِهَا فَإِنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِنْ النَّبْشِ عَلَيْهِ أَوْ وُصُولِ النَّجَاسَاتِ إلَيْهِ، أَوْ يُدْفَنُ فِي أَرْضٍ مُسْتَعَارَةٍ أَعْنِي لَا أَصْلَ لَهَا كَالْكِيمَانِ وَمَا شَابَهَهَا، وَذَلِكَ كُلُّهُ لَيْسَ بِحِرْزٍ لِلْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُنْبَشُ وَيُبْنَى عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا حِرْزُهُ مَقْبَرَةُ الْمُسْلِمِينَ. وَيَنْبَغِي لِوَلِيِّ الْمَيِّتِ أَنْ يَخْتَارَ لَهُ الدَّفْنَ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ لِلتَّبَرُّكِ بِهِمْ لِمَا وَرَدَ «هُمْ الْقَوْمُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ» وَلِمَا وَرَدَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْت أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ» فَلَعَلَّ بَرَكَةَ الْجِوَارِ، وَهُوَ الْغَالِبُ أَنْ تَعُودَ عَلَى مَنْ جَاوَرَهُمْ وَنَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ، وَقَدْ مَضَتْ عَادَةُ السَّلَفِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنْ يَخْتَارُوا الدَّفْنَ عِنْدَ قُبُورِ الْآبَاءِ وَالْأَقَارِبِ عِنْدَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الدَّفْنِ عِنْدَ الْأَوْلِيَاءِ وَالصُّلَحَاءِ، فَإِنْ اجْتَمَعَا فَيَا حَبَّذَا.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الَّذِي يَحْفِرُ الْقَبْرَ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَالْخَيْرِ وَالْأَمَانَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فَقَدْ يَجِدُ فِي الْمَوْضِعِ أَثَرَ مَيِّتٍ فَيُزِيلُهُ أَوْ يَكْسِرُهُ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute