فَإِنْ هُوَ غَشَّ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ فَقَدْ دَخَلَ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ فِي الْقِسْمِ الَّذِي تَبَرَّأَ مِنْهُ صَاحِبُ الشَّرِيعَةِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ.
وَمِنْ الْغِشِّ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْقُمَاشُ عِنْدَهُ مُخْتَلِفَ الْحَالِ فَبَعْضُهُ جَيِّدٌ وَبَعْضُهُ رَدِيءٌ فَيَأْخُذُ الْبَائِعُ الْجَيِّدَ فَيَعْرِضُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَإِذَا تَعَاقَدَا عَلَى ثَمَنٍ مَعْلُومٍ لِكُلِّ خِرْقَةٍ مِنْهَا أَخْرَجَ الْبَائِعُ الْجَيِّدَ ثُمَّ أَعْقَبَهُ بِإِخْرَاجِ الرَّدِيءِ لِيَأْخُذَ الْمُشْتَرِي الرَّدِيءَ بِمِثْلِ ثَمَنِ الْجَيِّدِ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ مِثْلُهُ فِي الْجَوْدَةِ وَالْحُسْنِ وَهَذَا أَمْرٌ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ غِشٌّ وَإِذْ كَانَ غِشًّا؛ فَتَمْتَحِقُ الْبَرَكَةُ مِنْ الْمَالِ بِسَبَبِهِ، وَالتَّاجِرُ قَدْ تَعِبَ فِي السَّفَرِ وَخَاطَرَ وَفَارَقَ أَهْلَهُ لِلْوُجُوهِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَلِتَنْمِيَةِ الْمَالِ وَإِصْلَاحِهِ فَيَقَعُ لَهُ الْعَكْسُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ، ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ يَدْخُلُ فِي ضِمْنِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» .
وَمِنْهُمْ مَنْ يَخْلِطُ الطَّيِّبَ بِالرَّدِيءِ فَإِذَا جَاءَ الْمُشْتَرِي وَكَرِهَ مَا دَفَعَهُ لَهُ مِنْ الرَّدِيءِ يُكَابِرُهُ فِيهِ وَيَقُولُ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي: هُوَ مِثْلُ الْجَيِّدِ أَوْ يُقَارِبُهُ وَهَذَا مِنْ بَابِ الْغِشِّ أَيْضًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ بَلْ النَّصِيحَةُ تُوجِبُ أَنْ يَبِيعَ الْجَيِّدَ وَحْدَهُ وَالرَّدِيءَ وَحْدَهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ هَذَا رَدِيءٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ سَكَتَ عَلَيْهِ ظَنَّ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ مِنْ الْعَالِ أَوْ الْوَسَطِ، وَالصَّوَابُ فِي ذَلِكَ أَنْ لَا يَخْلِطَ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ وَذَلِكَ طَرِيقُ السَّلَامَةِ لِمَنْ أَرَادَهَا.
أَمَّا لَوْ خَلَطَ الْجَيِّدَ بِالرَّدِيءِ وَبَاعَهُ بِسِعْرِ الرَّدِيءِ فَهَذَا جَائِزٌ إذَا كَانَ الْمَالُ لَهُ لَيْسَ لَهُ فِيهِ شَرِيكٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْهِبَةِ لِلْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ فِيهِ وَكِيلًا أَوْ كَانَ الْمَالُ لِيَتِيمٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَصْلًا وَمَا التَّوْفِيقُ إلَّا بِاَللَّهِ.
[فَصْلٌ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ إذَا اشْتَرَى بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ أَنْ لَا يُنْقِصَ الْبَائِعَ مِنْهُ شَيْئًا]
(فَصْلٌ)
وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ إذَا اشْتَرَى بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ أَنْ لَا يُنْقِصَ الْبَائِعَ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ نَقَصَهُ فَذَلِكَ مِنْ بَابِ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ الذِّمَّةَ قَدْ تَعَمَّرَتْ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ وَغَالِبُ أَحْوَالِ النَّاسِ الْمُشَاحَّةُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَإِذَا نَقَصَهُ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْبَائِعِ الرِّضَا فَالْغَالِبُ عَدَمُ رِضَاهُ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute