مِنْ مُعَاذٍ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ حَتَّى سَأَلَهُ عَنْ حَقِيقَةِ إيمَانِهِ، وَقَنَعَ مِنْ السَّوْدَاءِ بِمَا قَدْ ذَكَرَتْ لِأَجْلِ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْعِلْمِ، وَأَنْوَاعِ التَّعَبُّدِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ
[فَصْلٌ لِلْمُرِيدِ إذَا اجْتَمَعَ لَهُ فِي زَمَانِهِ أَوْ بَلَدِهِ مَشَايِخُ]
: (فَصْلٌ) : وَيَنْبَغِي لِلْمُرِيدِ إذَا اجْتَمَعَ لَهُ فِي زَمَانِهِ أَوْ بَلَدِهِ مَشَايِخُ يَرْجُو بَرَكَتَهُمْ، وَهُوَ بَعْدُ لَمْ يَسْكُنْ إلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى حَالِهِ بَعْدَ انْفِصَالِهِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَمَنْ حَصَلَ لَهُ بِالِاجْتِمَاعِ بِهِ مِنْهُمْ عِلْمٌ أَوْ إنَابَةٌ أَوْ رُجُوعٌ فَلْيَشُدَّ يَدَهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ تَدْعُو إلَى الْعَوْدَةِ إذْ إنَّ خُطَاهُ تَبْقَى لِغَيْرِ فَائِدَةٍ.
سَمِعْت سَيِّدِي أَبَا مُحَمَّدٍ يَعِيبُ هَذَا، وَيَقُولُ: لَا يَنْبَغِي لِلْمُرِيدِ أَنْ يَتَرَدَّدَ إلَّا لِمَوْضِعٍ تَحْصُلُ لَهُ فِيهِ فَائِدَةٌ أَوْ فَوَائِدُ، وَلَا يَكُونُ مِثْلَ بَهِيمَةِ السَّانِيَةِ لَا تَزَالُ تَمْشِي طُولَ يَوْمِهَا، وَهِيَ لَمْ تَبْرَحْ مِنْ مَوْضِعِهَا ذَلِكَ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُسِيءَ الظَّنَّ بِمَنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ إذْ إنَّ ذَلِكَ مُحْتَمَلٌ لِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلِ - أَنْ يَكُونَ الْمَزُورُ مِنْ الْأَكَابِرِ، وَالْفُضَلَاءِ لَكِنَّ أَصْحَابَهُ مَعْلُومُونَ مَعْرُوفُونَ فَخَيْرُهُ مَقْصُورٌ عَلَيْهِمْ لَا يَتَعَدَّاهُمْ فَإِذَا لَمْ يَجِدْ الْمُرِيدُ زِيَادَةً عِنْدَ زِيَارَتِهِ فَيَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عِنْدَهُ نَصِيبٌ فَتَرْكُ ذَلِكَ بِهِ أَوْلَى، وَقَدْ يَكُونُ آخِرُ خَيْرِهِ مَقْصُورًا عَلَى نَفْسِهِ لَا يَتَعَدَّى لِغَيْرِهِ.
وَوَجْهٌ ثَالِثٌ يَفْصِلُ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُرِيدُ مِنْ أَهْلِ التَّمْيِيزِ لِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَحُكْمُهُ مَا سَبَقَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي تِلْكَ الدَّرَجَةِ فَالْمُوَاظَبَةُ عَلَى رُؤْيَتِهِمْ وَاغْتِنَامُ بَرَكَتِهِمْ بِهِ أَوْلَى مَا لَمْ يُعَارِضْهُ أَمْرٌ شَرْعِيٌّ مِنْ ارْتِكَابِ بِدْعَةٍ أَوْ رُؤْيَتِهَا أَوْ شَيْءٍ مِنْ الْمَكْرُوهَاتِ أَوْ يَحْصُلُ لَهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ بِطَالَةُ أَوْقَاتِهِ عَمَّا هُوَ بِصَدَدِهِ، وَيَكْفِيهِ مِنْ ذَلِكَ زِيَارَتُهُمْ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي زِيَارَةِ طَالِبِ الْعِلْمِ لَهُمْ، وَبِالْجُمْلَةِ فَأَحْوَالُهُمْ فِي هَذَا الْمَعْنَى لَا تَنْضَبِطُ، وَالْقَلِيلُ النَّادِرُ مِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ خَيْرُهُ عَامًّا لِسَائِرِ النَّاسِ.
فَالْحَاصِلُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُرِيدَ لَهُ اتِّسَاعٌ فِي حُسْنِ الظَّنِّ بِهِمْ، وَفِي ارْتِبَاطِهِ عَلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ يُعَوِّلُ عَلَيْهِ فِي أُمُورِهِ، وَيَحْذَرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute