للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ جَدِّهِ.

وَقَدْ اخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي الْمَبِيتِ فِي الْمَسْجِدِ لِلْغُرَبَاءِ إذَا اُضْطُرُّوا إلَيْهِ فَذَهَبَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ فِي الْبَادِيَةِ وَلَا يَجُوزُ فِي الْحَاضِرَةِ، وَأَعْنِي بِالْبَادِيَةِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا بِنَاءٌ يَأْوِي إلَيْهِ، وَأَمَّا بِلَادُ الرِّيفِ فَإِنَّهُ يُوجَدُ فِيهَا مَوَاضِعُ غَيْرُ الْمَسْجِدِ فَلَمْ تَدْعُ الضَّرُورَةُ إلَى الْمَبِيتِ فِي الْمَسْجِدِ.

(فَصْلٌ)

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّ الْمَسْجِدَ لَا يَمْتَلِئُ بِالنَّاسِ حَتَّى يَحْتَاجُوا لِتِلْكَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي أَحْدَثُوا فِيهَا مَا أَحْدَثُوا. فَالْجَوَابُ: أَنَّ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ مِنْ الْمَسَاجِدِ الْمَهْجُورَةِ لَا يَجُوزُ سُكْنَاهَا وَلَا إجَارَتُهَا وَلَا احْتِكَارُهَا، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَمَا نَحْنُ بِسَبِيلِهِ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

[فَصْلٌ الْبِنَاء فَوْق سَطْح الْمَسْجِد]

(فَصْلٌ)

وَمِنْ هَذَا الْبَابِ أَيْضًا مِمَّا أَحْدَثُوهُ فِي سُطُوحِ الْمَسْجِدِ مِنْ الْبُيُوتِ، وَذَلِكَ غَصْبٌ لِمَوَاضِع الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَسْجِدِ وَاحْتِكَارٌ لَهَا وَإِحْدَاثٌ فِي الْوَقْفِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ شَرْعِيَّةٍ، وَفِيهِ مِنْ الْمَفَاسِدِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ أَمْرِ الْمُقِيمِينَ فِي الْمَسْجِدِ وَغَصْبِهِمْ لِتِلْكَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي سَكَنُوهَا، بَلْ هَذَا أَشَدُّ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْبُيُوتَ الَّتِي فِي السُّطُوحِ مُؤَبَّدَةً لِلسُّكْنَى، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَفِيهِ مَعَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمَفَاسِدِ الْإِقَامَةُ فِي الْمَسْجِدِ، وَقَدْ يَكُونُ جُنُبًا كَمَا سَبَقَ فِي حَقِّ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.

وَقَدْ كَانَ بَعْضُ الْقُضَاةِ لَمَّا أَنْ تَوَلَّى وَهُوَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ بِنْتِ الْأَعَزِّ جَاءَ إلَى سُطُوحِ الْجَامِعِ بِمِصْرَ فِي جَمَاعَةٍ وَهَدَمَ الْبُيُوتَ الْمُحْدَثَةَ عَنْ آخِرِهَا، وَلَمْ يَسْأَلْ لِمَنْ هَذَا الْبَيْتُ وَلَا لِمَنْ هَذِهِ الثِّيَابُ، بَلْ أَخَذَ مَا وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ وَغَيَّرَهُ وَرَمَاهُ فِي صَحْنِ الْجَامِعِ، وَمَشَى الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ مُدَّةً مِنْ الزَّمَانِ طَوِيلَةً، ثُمَّ أَحْدَثُوهَا أَيْضًا لَمَّا لَمْ يَجِدُوا مَنْ يَنْهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ وَلَا مَنْ يَتَكَلَّمُ فِيهِ.

وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا مِنْ سُطُوحِ الْمَسْجِدِ لَا تَصِحُّ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْجُمُعَةِ الْجَامِعَ الْمَسْقُوفَ، وَمِنْ صِفَةِ الْمَسْجِدِ أَنْ يُدْخَلَ بِغَيْرِ إذْنٍ، وَأَنْ يَكُونَ جَمِيعُ النَّاسِ فِيهِ سَوَاءً، وَسُطُوحُ الْمَسْجِدِ لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ، وَلَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>