لِغَضَبِ الشَّرْعِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيُرْجَى لَهُ الْخَيْرُ وَالْبَرَكَةُ وَيَكُونُ قَرِيبًا مِنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ أَعْنِي فِي اتِّبَاعِهِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ الْوَاصِفُ لَهُ «كَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا فَإِذَا رَأَى شَيْئًا مِنْ حُرَمِ اللَّهِ يُنْتَهَكُ كَانَ أَسْرَعَ النَّاسِ إلَيْهَا نُصْرَةً» انْتَهَى.
فَإِذَا حَصَلَتْ هَذِهِ الْحَمِيَّةُ وَالنُّصْرَةُ لِلْعَالِمِ فَيَحْتَاجُ أَنْ يَكُونَ مَعَهُمَا الرِّفْقُ فَلَا يُنَفِّرُهُمْ بَلْ يَسْتَجْلِبُهُمْ وَيَسْرِقُ طَبَائِعَهُمْ بِالسِّيَاسَةِ حَتَّى يَرُدَّهَا إلَى قَانُونَ الِاتِّبَاعِ. أَلَا تَرَى إلَى مَا وَرَدَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ «الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي بَالَ فِي الْمَسْجِدِ وَصَاحَ النَّاسُ بِهِ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا تَزْرِمُوهُ وَتَرَكَهُ حَتَّى أَتَمَّ بَوْلَهُ ثُمَّ صَبَّ عَلَيْهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ ثُمَّ عَلَّمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ» وَهَذَا كُلُّهُ رَاجِعٌ إلَى أَحْوَالِ النَّاسِ وَإِلَى مَنْ يَقَعُ لَهُ ذَلِكَ فَلْيُعَامِلْ كُلَّ أَحَدٍ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ وَمَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ اللُّطْفِ وَالسِّيَاسَةِ وَالشِّدَّةِ وَالْغِلْظَةِ لِأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَتَسَاوَوْا فَرُبَّ شَخْصٍ لَا يَرْجِعُ إلَّا بِاللُّطْفِ فَإِنْ أَخَذْته بِالشِّدَّةِ نَفَّرْته وَرُبَّ شَخْصٍ لَا يَرْجِعُ إلَّا بِالْغِلْظَةِ فَإِنْ أَخَذْته بِاللُّطْفِ أَطْمَعْته وَقَلَّ أَنْ يَنْتَهِيَ
[فَصْلٌ مِنْ شرع فِي أَخَذَ الدرس يَجِب أَنْ تَكُونَ عَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ]
(فَصْلٌ) فَإِذَا شَرَعَ هَذَا الْعَالِمُ فِي أَخْذِ الدَّرْسِ وَقَرَأَ الْقَارِئُ فَيَحْتَاجُ إذْ ذَاكَ أَنْ تَكُونَ عَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ فَيَخْشَعُ قَلْبُهُ وَتَخْشَعُ جَوَارِحُهُ لِهَذَا الْمَقَامِ الَّذِي أُقِيمَ فِيهِ، وَهُوَ أَنَّهُ يُبَيِّنُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى أَحْكَامَهُ وَلَعَلَّ بَرَكَةَ مَا يَحْصُلُ لَهُ هُوَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ جُلَسَاؤُهُ فَيَتَأَدَّبُونَ بِأَدَبِهِ وَيَتَأَسَّوْنَ بِهِ أَلَا تَرَى إلَى مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ حِينَ دَخَلَ عَلَى مَالِكٍ فِي أَصْحَابِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ يُرِيدُونَ سَمَاعَ الْحَدِيثِ قَالَ فَدَخَلْت فَوَجَدْت أَصْحَابَهُ قُعُودًا بَيْنَ يَدَيْهِ كَأَنَّهُمْ عَلَى رُءُوسِهِمْ الطَّيْرُ فَقُلْت سَلَامٌ عَلَيْكُمْ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ سَلَامًا إلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ رَدَّ السَّلَامَ فَقُلْت مَا بَالُكُمْ أَفِي الصَّلَاةِ أَنْتُمْ فَرَمَقُونِي بِأَطْرَافِ أَعْيُنِهِمْ وَلَمْ يَتَكَلَّمُوا فِي قِصَّةٍ يَطُولُ ذِكْرُهَا.
وَالْمَقْصُودُ مِنْهَا أَنَّ مَالِكًا كَانَ عِنْدَهُ التَّعْظِيمُ لِلْمَقَامِ الَّذِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute