وَالْفُسُوقُ الْمَعَاصِي
[فَصْلٌ الْإِحْرَام بِالْحَجِّ وَتَرَك الْمُحَامِل والجحف مسورة عَلَى حالها]
{فَصْلٌ} وَلْيَحْذَرْ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُمْ يُحْرِمُونَ بِالْحَجِّ وَيَتْرُكُونَ الْمَحَامِلَ وَالْحُجُفَ مُسَوَّرَةً عَلَى حَالِهَا وَمَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَمْنَعُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ، بَلْ يَكْشِفُ عَنْهَا حَتَّى يَتَّصِفَ بِصِفَةِ الْحَجِّ. لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْحَاجُّ أَشْعَثُ أَغْبَرُ» أَوْ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِذَا كَانَ فِي الظِّلِّ لَمْ يَتَّصِفْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ مِنْهُ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ. وَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَنْكَرَ عَلَى مَنْ اسْتَظَلَّ رَاكِبًا وَقَالَ: أُضْحِ لِمَنْ أَحْرَمْت لَهُ. ثُمَّ نَقَلَا عَنْ الرِّيَاشِيِّ أَنَّهُ قَالَ رَأَيْت أَحْمَدَ بْنَ الْمُعَدَّلِ الْفَقِيهَ فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْحَرِّ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ، وَهُوَ ضَاحٍ لِلشَّمْسِ فَقُلْت لَهُ يَا أَبَا الْفَضْلِ هَذَا أَمْرٌ قَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَلَوْ أَخَذْت بِالتَّوْسِعَةِ فَأَنْشَأَ يَقُولُ
ضَحَّيْت لَهُ كَيْ أَسْتَظِلَّ بِظِلِّهِ ... إذَا الظِّلُّ أَمْسَى فِي الْقِيَامَةِ قَالِصَا
فَيَا أَسَفَا إنْ كَانَ سَعْيِ بَاطِلًا ... وَيَا حَسْرَتَا إنْ كَانَ حَجِّي نَاقِصًا
نَقَلَهُ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْفُسْطَاطِ وَمَا أَشْبَهَهُ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَظِلَّ تَحْتَهُ لِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ ذَلِكَ لَا يَدُومُ بِخِلَافِ الْمَحَامِلِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ كَالْبَيْتِ الْمَبْنِيِّ وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَظِلَّ بِظِلِّ الْحِمْلِ، وَهُوَ مَاشٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَدُومُ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يُغَطِّيَ رَأْسَهُ بِيَدِهِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَدُومُ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَظِلَّ بِظِلِّ الشَّجَرَةِ وَالْحَائِطِ إذْ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لَا يَدُومُ.
[فَصْلٌ مَا يَفْعَلهُ الْحَاجّ إذَا وَصَلَ إلَى مَكَّةَ]
{فَصْلٌ} فَإِذَا وَصَلَ إلَى مَكَّةَ وَأَشْرَفَ عَلَى الْبَيْتِ فَهُوَ مَطْلُوبٌ فِي هَذَا الْوَقْتِ بِزِيَادَةِ الْأَدَبِ وَالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَالْخُشُوعِ وَالْحُضُورِ وَالِاحْتِرَامِ لِبَيْتِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالِابْتِهَالِ بِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ وَالِابْتِهَالِ وَالتَّضَرُّعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute