مَعَ كَثْرَةِ هَذِهِ الْفِتَنِ وَالْمِحَنِ إلَّا مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا وَصَفْت لَك
[فَصْلٌ فِي النِّيَّةِ وَالْعِبَادَةِ]
وَقَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يُصَحِّحَ نِيَّتَهُ الَّتِي هِيَ قِوَامُ عَمَلِهِ، وَيَجْمَعَ لِذَلِكَ قَلْبَهُ، وَذِهْنَهُ، وَعِنَايَتَهُ، وَيُقَرِّرَ عَمَلَهُ فِيمَا يَأْتِي، وَيَتَبَصَّرَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَيَقْصِدَ مَعْرِفَةَ رَبِّهِ، وَمُكَايَدَةَ عَدُوِّهِ، وَمُجَاهَدَةَ نَفْسِهِ، وَإِيَاسَهُ إيَّاهَا مِنْ عَمَلِهَا لِطَلَبِ الثَّوَابِ؛ لِأَنَّهَا إنْ انْقَطَعَتْ عَنْ عِبَادَتِهَا لَمْ تَبْلُغْ دَرَجَةَ الْعَفْوِ لِعَظِيمِ مَا جَنَتْ مِنْ الْإِسَاءَةِ.
وَلَوْ أَنَّ تِلْكَ الْعِبَادَةَ، وَالْإِحْسَانَ بِإِزَاءِ ذَنْبٍ مِنْ ذُنُوبِهَا لَاسْتَأْهَلَتْ بِذَلِكَ الذَّنْبِ الْعِقَابَ إلَّا أَنْ يُغْفَرَ فَكَيْفَ بِجَمِيعِ إسَاءَتِهَا مَعَ قِلَّةِ مَا يَسْتَقْبِلُ مِنْ صِمَادِ التَّوْبَةِ، وَالْمُرَاجَعَةِ؟ ، ثُمَّ يَحْمِلُهَا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ مَا اسْتَطَاعَتْ فَإِنْ عَارَضَهُ إبْلِيسُ بِشَيْءٍ أَوْ رَفَعَتْ نَفْسُهُ رَأْسَهَا لِتُذَكِّرَهُ شَيْئًا مِنْ إحْسَانِهَا مَنَعَهَا بِمَا قَدْ عَرَّفَهُ اللَّهُ مِنْ قَدِيمِ إسَاءَتِهَا، وَيُذَكِّرُهَا عُيُوبَهَا فَتَنْقَمِعُ عِنْدَ ذَلِكَ، وَيَكُونُ ذَلِكَ زَاجِرًا لِعَدُوِّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَمَا يُرِيدُ مِنْ خَدِيعَتِهِ لِيُوقِعَهُ فِي الْعُجْبِ بِالْبَاطِلِ فَلَوْ كَانَ عُجْبُهُ عُجْبَ حَقِيقَةٍ مِنْ احْتِمَالِ نَفْسِهِ طَاعَةَ رَبِّهَا بِهَشَاشَةٍ مِنْهَا وَسُرُورٍ، وَزُهْدٍ فِيمَا يَكْرَهُ اللَّهُ لَكَانَ أَوْلَى الْأَشْيَاءِ بِالْيَقِينِ مَعَ صِدْقِهَا فِي الطَّاعَاتِ الرُّجُوعَ إلَى الشُّكْرِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ نِعْمَةٌ مِنْ اللَّهِ عَلَى الْعَامِلِ فِيمَا يَسَّرَ لَهُ مِنْ الْعَمَلِ، وَمَنْ غَفَلَ عَنْ الشُّكْرِ فِي الْعَمَلِ كَانَ جَاهِلًا بِرَبِّهِ جَاهِلًا بِالْعَمَلِ جَاهِلًا بِالنِّعَمِ، وَمَنْ عَقَلَ الشُّكْرَ، وَذَكَّرَ نَفْسَهُ إحْسَانَ اللَّهِ رَجَعَ الشَّيْطَانُ - بِعَوْنِ اللَّهِ - صَاغِرًا نَاكِصًا عَلَى عَقِبِهِ فَأَلْزِمْ نَفْسَك النَّدَمَ، وَارْجِعْ إلَى مَا عَرَّفَك رَبُّك مِنْ مَعْرِفَةِ نَفْسِك، وَعَدُوِّك، وَارْغَبْ إلَى اللَّهِ فِي الْعِصْمَةِ مِنْ شَرِّ نَفْسِك، وَشَرِّ عَدُوِّك، وَأَسْأَلْهُ الْكِفَايَةَ فَإِنَّهُ لَمْ يَلْجَأْ إلَيْهِ أَحَدٌ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا، وَجَدَهُ قَرِيبًا مُجِيبًا فَإِذَا صَارَ الْعَبْدُ إلَى هَذِهِ الدَّرَجَةِ أُعْطِيَ هَذِهِ الْمَعْرِفَةَ فَلَا يَكُونُ لَهُ هِمَّةٌ، وَلَا بُغْيَةٌ، وَلَا مَسْأَلَةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute