إذَا كَانَ يَشْتَرِي الْغَزْلَ وَيَعْمَلُهُ لِنَفْسِهِ وَيَبِيعُهُ فِي السُّوقِ فَهُوَ أَسْلَمُ فِي الْغَالِبِ مِمَّنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ بِشَرْطِ أَنْ يَنْصَحَ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يُدَلِّسَ بِفِعْلِ شَيْءٍ مِنْ الشَّمَعِ أَوْ الدَّلْكِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.
وَيَحْتَرِزُ مَعَ ذَلِكَ عَلَى الْغَزْلِ مِمَّا يَطْرَأُ عَلَيْهِ فِي الْبَيَاضِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يُضْعِفُهُ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَامِحُ نَفْسَهُ إذَا كَانَ يَبِيعُ فِي السُّوقِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَفْعَلُ فِعْلًا مُحَرَّمًا وَهُوَ أَنَّهُ إذَا عَجَزَتْ الْخِرْقَةُ الَّتِي يَعْمَلُهَا لِلْقِبَالَةِ يُكْمِلُهَا بِغَزْلٍ سُوقِيٍّ مِنْ عِنْدِهِ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهَا وَيَأْخُذُ بَعْدَ ذَلِكَ عِوَضَهُ أَوْ يُكَمِّلُهَا بِغَزْلٍ آخَرَ لِغَيْرِ صَاحِبِهَا ثُمَّ يَأْخُذُ عِوَضَهُ وَيُعْطِيه لِلْأَوَّلِ فَلْيَحْذَرْ مِنْ هَذِهِ الْمَفَاسِدِ وَمَا شَابَهَهَا وَمَنْ يُبَاشِرُ الْأَمْرَ بِنَفْسِهِ هُوَ الْمُطَّلِعُ عَلَى الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ فَتَلْزَمُهُ الْمَصَالِحُ وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ الْمَفَاسِدُ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ.
[فَصْلٌ فِي الْقِصَارَةِ]
قَدْ تَقَدَّمَ فِي أَمْرِ الْقَزَازَةِ مَا يَنْوِيه فِيهَا مِنْ النِّيَّاتِ وَمَا يَجْتَنِبُهُ مِنْ الْمَفَاسِدِ فَكَذَلِكَ فِي الْقِصَارَةِ.
فَمِمَّا يُجْتَنَبُ فِيهَا أَنْ لَا يُقَصِّرَ بِمَاءٍ نَجِسٍ وَلَا يَبْسُطَ الْقُمَاشَ عَلَى شَيْءٍ نَجِسٍ وَلَا يَمْشِي عَلَيْهِ بِأَقْدَامِهِ وَإِنْ كَانَتْ طَاهِرَةً اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَشْيُ لَا يَصِلُ إلَى رَشِّ الْقُمَاشِ كُلِّهِ إلَّا بِهِ فَيَجُوزُ.
وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ أَرْوَاثَ الْبَقَرِ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْقَصَّارِينَ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ الْخِرْقَةَ سَرِيعًا بِسَبَبِ شِدَّةِ حَرَارَتِهِ، وَكَذَلِكَ مَا يُشْبِهُهُ.
وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُ الْجِيرِ فَإِنَّهُ يَقْطَعُهُمَا عَاجِلًا.
وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْصِرَهَا عَصْرًا شَدِيدًا خَارِجًا عَنْ الْحَدِّ الْمُعْتَادِ فِي الشَّرْعِ الشَّرِيفِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَضُرُّ بِهَا.
وَأَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ مَا يَفْعَلُهُ أَكْثَرُهُمْ مِنْ ضَرْبِ الْخِرَقِ عَلَى الْحِجَارَةِ حِينَ الْقَصَارَةِ وَذَلِكَ يَذْهَبُ بِقُوَّةِ الْخِرْقَةِ وَيُضْعِفُهَا.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مِنْ بَابِ إضَاعَةِ الْمَالِ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَى الصَّانِعِ وَعَلَى صَاحِبِ الْخِرْقَةِ، وَإِنْ رَضِيَا بِذَلِكَ.
وَالْقِصَارَةُ الْمُبَاحَةُ إنَّمَا هِيَ بَلُّ