لَا يَنْقَطِعُ.
أَلَا تَرَى إلَى حَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَيْفَ كَانَ عَلَى مَا وَصَفَ الْوَاصِفُ مُتَوَاصِلَ الْأَحْزَانِ؟ وَقَدْ كَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ هَذَا الْمَعْنَى حَتَّى كَأَنَّهُ يُقَدَّمُ لِلْقَتْلِ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْهُ.
وَكَانَ يَقُولُ: أَعْجَبُ مِمَّنْ يَمْلَأُ فَاهُ بِالضَّحِكِ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فِي أَيِّ دِيوَانٍ اسْمُهُ هَلْ فِي الْجَنَّةِ، أَوْ فِي النَّارِ.
وَقَدْ سَأَلَ رَجُلٌ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ يَعِظَهُ فَقَالَ لَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: إنْ كَانَ اللَّهُ قَدْ تَكَفَّلَ بِالرِّزْقِ فَاهْتِمَامُك بِالرِّزْقِ لِمَاذَا، وَإِنْ كَانَ الرِّزْقُ مَقْسُومًا فَالْحِرْصُ لِمَاذَا، وَإِنْ كَانَ الْخَلَفُ عَلَى اللَّهِ حَقًّا فَالْبُخْلُ لِمَاذَا، وَإِنْ كَانَتْ الْجَنَّةُ حَقًّا فَالرَّاحَةُ لِمَاذَا، وَإِنْ كَانَتْ النَّارُ حَقًّا فَالْمَعْصِيَةُ لِمَاذَا، وَإِنْ كَانَ سُؤَالُ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ حَقًّا فَالْأُنْسُ لِمَاذَا، وَإِنْ كَانَتْ الدُّنْيَا فَانِيَةً فَالطُّمَأْنِينَةُ لِمَاذَا، وَإِنْ كَانَ الْحِسَابُ حَقًّا فَالْجَمْعُ لِمَاذَا، وَإِنْ كَانَ كُلُّ شَيْءٍ بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ فَالْحُزْنُ لِمَاذَا؟ .
وَقَدْ قَالَتْ رَابِعَةُ الْعَدَوِيَّةُ لِرَجُلٍ رَأَتْهُ مَهْمُومًا: إنْ كَانَ هَمُّكَ مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ فَزَادَكَ اللَّهُ هَمًّا، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا فَفَرَّجَ اللَّهُ هَمَّكَ، وَقَدْ أَنْشَدَ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا الْمَعْنَى فَقَالَ:
لَا تَجْزَعَنَّ إذَا مَا الْأَمْرُ ضِقْتَ بِهِ ... ذَرْعًا وَنَمْ وَتَوَسَّدْ خَالِيَ الْبَالِ
مَا بَيْنَ غَمْضَةِ عَيْنٍ وَانْتِبَاهَتِهَا ... يُغَيِّرُ اللَّهُ مِنْ حَالٍ إلَى حَالِ.
[فَصْلٌ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلْمُرِيدِ سُلَّمٌ فِي اتِّبَاعِ شَيْءٍ مِنْ أَحْوَالِ النَّبِيِّ]
(فَصْلٌ) : هَذَا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى أَدَبِ الْمُرِيدِ وَيَنْبَغِي أَنْ نَخْتِمَهُ بِذِكْرِ شَيْءٍ مِنْ أَحْوَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَبَرُّكًا بِذِكْرِ آثَارِهِ وَأَحْوَالِهِ وَلِكَيْ يَكُونَ سُلَّمًا لِلْمُرِيدِ فِي اتِّبَاعِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي تَصَرُّفَاتِهِ وَحَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ وَإِشَارَاتِهِ. فَمِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْبَاجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِسُنَنِ الصَّالِحِينَ وَسُنَنِ الْعَابِدِينَ قَالَ مَالِكٌ: إنَّ رَجُلَيْنِ كَانَا جَالِسَيْنِ يَتَحَدَّثَانِ وَكَعْبُ الْأَحْبَارِ قَرِيبٌ مِنْهُمَا فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: إنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ النَّاسَ جُمِعُوا لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَرَأَيْتُ النَّبِيِّينَ لَهُمْ نُورَانِ نُورَانِ، وَلِأَتْبَاعِهِمْ نُورٌ نُورٌ، قَالَ: وَرَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا مِنْ شَعْرَةٍ فِي جَسَدِهِ وَلَا رَأْسِهِ إلَّا وَفِيهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute