الْكَثِيرَ الْمُتَعَدِّيَّ.
وَقَدْ تَقَدَّمَتْ حِكَايَةُ بَعْضِ الشُّيُوخِ الَّذِي كَانَ يَزْرَعُ فِي أَرْضِهِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ وَمَا جَرَى لَهُ مِنْ كَوْنِهِ تَرَكَ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ لِأَجْلِ زِرَاعَةِ أَرْضِهِ إذْ ذَاكَ لِأَجْلِ مَا احْتَوَتْ عَلَيْهِ نِيَّتُهُ فِي زِرَاعَتِهَا.
وَإِذَا كَانَتْ الزِّرَاعَةُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ فَيَنْبَغِي بَلْ تَتَعَيَّنُ الْمَعْرِفَةُ بِلِسَانِ الْعِلْمِ فِي مُحَاوَلَتِهَا لِتَأَكُّدِهَا سِيَّمَا الْقُوتَ الَّذِي هُوَ صَلَاحُ الْقَلْبِ وَالْقَالَبِ وَبِهِ يَصْفُو الْبَاطِنُ وَيَكْثُرُ الْخُشُوعُ.
أَلَا تَرَى إلَى مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «إنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدْ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ حَامَ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمَى أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ» وَلَمْ يَزَلْ السَّلَفُ الْمَاضُونَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يَتَحَفَّظُونَ عَلَى الْقُوتِ الَّذِي يَدْخُلُ أَجْوَافَهُمْ التَّحَفُّظَ الْكُلِّيَّ وَفِيهِ كَانَ تَوَرُّعُهُمْ وَالْوَسَاوِسُ الَّتِي تَدْخُلُ عَلَيْهِمْ فِيهِ يَدْفَعُونَهَا عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِتَرْكِهِ.
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّهَا قَالَتْ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ الْمُؤْمِنُ الَّذِي إذَا أَصْبَحَ سَأَلَ مِنْ أَيْنَ قُرْصُهُ وَإِذَا أَمْسَى سَأَلَ مِنْ أَيْنَ قُرْصُهُ؟ قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَنَّ النَّاسَ كُلِّفُوا عِلْمَ ذَلِكَ لَتَكَلَّفُوهُ قَالَ: عَلِمُوا ذَلِكَ وَلَكِنْ غَشَمُوا الْمَعِيشَةَ غَشْمًا» .
[طَلَبُ الْحَلَالِ فَرِيضَةٌ بَعْدَ فَرِيضَةِ الْإِيمَانِ وَالصَّلَاةِ]
وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «طَلَبُ الْحَلَالِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ» أَيْ بَعْدَ فَرِيضَةِ الْإِيمَانِ وَالصَّلَاةِ.
وَرُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ أَكَلَ الْحَلَالَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نَوَّرَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَأَجْرَى يَنَابِيعَ الْحِكْمَةِ مِنْ قَلْبِهِ عَلَى لِسَانِهِ» وَرُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُؤْمِنَ الْمُحْتَرِفَ» وَفِي الصَّحِيحِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَحَلُّ مَا أَكَلَ الرِّجَالُ مِنْ كَسْبِ يَدِهِ» وَفِي الْحَدِيثِ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ أَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ فَقَالَ: لَا تَسْأَلْ أَحَدًا شَيْئًا»
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute