للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ زِيَارَة النَّبِيّ]

فَصْلٌ} فَإِذَا خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ فَلْتَكُنْ نِيَّتُهُ وَعَزِيمَتُهُ وَكُلِّيَّتُهُ فِي زِيَارَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَزِيَارَةِ مَسْجِدِهِ وَالصَّلَاةِ فِيهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ كُلِّهِ لَا يُشْرِكُ مَعَهُ غَيْرَهُ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى مَقْصِدِهِ أَوْ قَضَاءِ شَيْءٍ مِنْ حَوَائِجِهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَتْبُوعٌ لَا تَابِعٌ فَهُوَ رَأْسُ الْأَمْرِ الْمَطْلُوبِ وَالْمَقْصُودِ الْأَعْظَمِ.

فَإِذَا وَصَلَ إلَى الْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَنْزِلَ بِالْمُعَرَّسِ، وَهُوَ مَوْضِعٌ خَارِجَ الْمَدِينَةِ حَتَّى يَتَأَهَّبَ لِلدُّخُولِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَتَطَهَّرَ وَيَرْكَعَ وَيَلْبَسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ وَيَتَطَيَّبَ وَيُجَدِّدَ التَّوْبَةَ ثُمَّ يَدْخُلَ، وَهُوَ مَاشٍ عَلَى رِجْلَيْهِ وَعَلَيْهِ أَثَرُ الذِّلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ وَالِاحْتِيَاجِ وَالِاضْطِرَارِ.

وَقَدْ وَرَدَ «أَنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا أَنْ قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَادَرُوا إلَيْهِ كُلُّهُمْ إلَّا سَيِّدَهُمْ فَإِنَّهُ اغْتَسَلَ وَلَبِسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيك خَصْلَتَانِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ» .

وَقَدْ تَقَدَّمَتْ كَيْفِيَّةُ زِيَارَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِحَسْبِ مَا حَضَرَ فِي الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ الْآدَابَ مَعَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى لِعَظِيمِ أَمْرِهِ وَجَلَالَةِ قَدْرِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ. فَإِذَا فَرَغَ مِنْ زِيَارَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَحِينَئِذٍ يَأْخُذُ فِيمَا يُرِيدُهُ وَذَلِكَ لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إمَّا الْمُجَاوَرَةُ أَوْ السَّفَرُ إلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى أَوْ الرُّجُوعُ إلَى وَطَنِهِ.

أَمَّا الْمُجَاوَرَةُ فَيَنْبَغِي أَنْ تُتْرَكَ فِي هَذَا الزَّمَانِ لِوُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ الْغَالِبَ فِي هَذَا الزَّمَانِ الْعَجْزُ عَنْ الْقِيَامِ بِآدَابِ الْمُجَاوَرَةِ مَعَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذْ الْجَنَابُ عَظِيمٌ فَاحْتِرَامُهُ بِتِلْكَ النِّسْبَةِ عَظِيمٌ وَلَا يَخْلُو الْإِنْسَانُ مِنْ الْهَفَوَاتِ وَالْكَسَلِ الَّذِي يَطْرَأُ عَلَيْهِ فِي الْغَالِبِ إلَّا مَنْ عَصَمَ اللَّهُ هَذَا وَجْهٌ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - سُئِلَ أَيُّمَا أَحَبُّ إلَيْك الْمُجَاوَرَةُ أَوْ الْقُفُولُ فَأَجَابَ بِأَنْ قَالَ: السُّنَّةُ الْحَجُّ ثُمَّ الْقُفُولُ وَلَا شَكَّ أَنَّ اتِّبَاعَ السُّنَّةِ أَوْلَى. وَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا فَرَغَ

<<  <  ج: ص:  >  >>