بِمَكَّةَ مِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ فَإِذَا أَتَى الْحِلَّ اغْتَسَلَ وَلَبِسَ ثِيَابَ الْإِحْرَامِ وَانْتَظَرَ غُرُوبَ الشَّمْسِ فَإِذَا غَرَبَتْ صَلَّى الْمَغْرِبَ بِالْحِلِّ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا وَمِنْ الرُّكُوعِ بَعْدَهَا رَكَعَ رَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ، وَلَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ عَقِبَ الْفَرْضِ صَحَّ، وَيَنْوِي الدُّخُولَ فِيهَا وَيُلَبِّي كَمَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ. فَإِذَا أَتَى إلَى مَكَّةَ طَافَ وَسَعَى وَحَلَقَ وَقَدْ تَمَّتْ عُمْرَتُهُ وَيُدْرِكُ ذَلِكَ كُلَّهُ عِنْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ فَتَحْصُلُ لَهُ الْعُمْرَةُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ فِيهَا وَيُدْرِكُ السَّفَرَ مَعَ النَّاسِ إنْ رَحَلَ الرَّكْبُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ مَنَاسِكِ حَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ. وَالْغَالِبُ أَنَّ الرَّكْبَ لَا يَرْحَلُ إلَّا فِي الْيَوْمِ الْخَامِسِ لَكِنَّهُ قَدْ يَرْحَلُ فِي لَيْلَتِهِ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ وَمَنْ فَعَلَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ كَانَ مُتَأَهِّبًا لِلسَّفَرِ مَعَ النَّاسِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الذُّنُوبَ وَالْفَقْرَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إلَّا الْجَنَّةَ» زَادَ التِّرْمِذِيُّ «وَمَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَظَلُّ يَوْمَهُ مُحْرِمًا إلَّا غَابَتْ الشَّمْسُ بِذُنُوبِهِ»
ثُمَّ إذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ طَوَافَ الْوَدَاعِ فَإِنْ اشْتَغَلَ بَعْدَهُ بِشُغْلٍ كَثِيرٍ أَوْ طَالَ مَقَامُهُ بِهَا وَأَرَادَ السَّفَرَ فَلْيُعِدْهُ عِنْدَ إرَادَةِ الْخُرُوجِ. وَلْيَحْذَرْ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ مِنْ هَذِهِ الْبِدْعَةِ، وَهُوَ أَنَّهُمْ إذَا خَرَجُوا مِنْ مَكَّةَ يَخْرُجُونَ مِنْ الْمَسْجِدِ الْقَهْقَرَى وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ وَدَاعِهِمْ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَيَزْعُمُونَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْأَدَبِ وَذَلِكَ مِنْ الْبِدَعِ الْمَكْرُوهَةِ الَّتِي لَا أَصْلَ لَهَا فِي الشَّرْعِ الشَّرِيفِ وَلَا فَعَلَهَا أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ الْمَاضِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَهُمْ أَشَدُّ النَّاسِ حِرْصًا عَلَى اتِّبَاعِ سُنَّةِ نَبِيِّهِمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ثُمَّ أَدَّتْ هَذِهِ الْبِدْعَةُ الَّتِي أَحْدَثُوهَا وَعَلَّلُوهَا إلَى أَنْ صَارُوا يَفْعَلُونَهَا مَعَ مَشَايِخِهِمْ وَمَعَ كُبَرَائِهِمْ وَعِنْدَ الْمَقَابِرِ الَّتِي يَحْتَرِمُونَهَا وَيُعَظِّمُونَ أَهْلَهَا وَيَزْعُمُونَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْأَدَبِ كَمَا تَقَدَّمَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute