يُطْلَقَ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ السُّنَّةَ وَبَذَلَ جَهْدَهُ فِي الِاتِّبَاعِ فَكَيْفَ يُطْلَقُ عَلَى مَنْ تَلَبَّسَ بِشَيْءٍ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ، أَوْ الْمَكْرُوهَاتِ، أَوْ هُمَا مَعًا؟ ثُمَّ إنَّ الْمُتَّبِعَ مِنْ النَّاسِ فِي اعْتِقَادِهِ عَلَى قِسْمَيْنِ.
فَمِنْهُمْ مَنْ يَحْمِلُ جَمِيعَ أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ كُلِّهَا عَلَى سَبِيلِ الْوَرَعِ فَأَيُّ شَيْءٍ فَعَلَهُ أَوْ قَالَهُ، أَوْ أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ اتِّبَاعِ الْأَمْرِ وَاجْتِنَابِ النَّهْيِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: هَذَا مَوْضِعٌ لَا أَدْخُلُهُ لِأَجْلِ أَنَّهُ مَغْصُوبٌ أَوْ اسْتَعْمَلَ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ الْغَصْبَ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَيَقُولُونَ: هَذَا مِنْ بَابِ الْوَرَعِ هَذَا لَيْسَ بِمُتَّبَعٍ، وَقَدْ دَخَلَهُ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَيَحْتَجُّونَ بِمَنْ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِهِمْ أَهْلِيَّةٌ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ فَقَدْ تَكُونُ لَهُ أَعْذَارٌ فِي ارْتِكَابِ ذَلِكَ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُبَيِّنَ عُذْرَهُ فِيمَا وَقَعَ مِنْهُ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَا كُلُّ الْأَعْذَارِ تُبْدَى، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْتَدَى بِهِ فِي هَذَا وَمَا شَاكَلَهُ؛ إذْ إنَّ اتِّبَاعَ لِسَانِ الْعِلْمِ هُوَ الْمُتَعَيَّنُ عَلَى النَّاسِ عُمُومًا وَخُصُوصًا، وَقَدْ كَانَ سَيِّدِي أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: إنِّي لَا أَتَكَلَّمُ بِالْوَرَعِ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَالنَّاسُ يَحْمِلُونَ مَا أَتَكَلَّمُ بِهِ عَلَى سَبِيلِ الْوَرَعِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَصَارَ لِسَانُ الْعِلْمِ عِنْدَهُمْ وَرَعًا وَتَرَتَّبَتْ عَلَى هَذَا مَفْسَدَةٌ عَظِيمَةٌ، وَهِيَ أَنَّهُمْ يَنْسِبُونَ كَثِيرًا مِنْ الشَّرِيعَةِ إلَى الْوَرَعِ فَيَتْرُكُونَ بِسَبَبِ ذَلِكَ الِاتِّبَاعَ، وَبَابُ الْوَرَعِ ضَيِّقٌ لَا يَدْخُلُهُ إلَّا الْأَفْذَاذُ إذْ لَيْسَ هَذَا زَمَانُ الْوَرَعِ غَالِبًا وَمَا يَتَعَلَّلُونَ بِهِ مِنْ ذِكْرِ الْوَرَعِ إنَّمَا هُوَ مِنْ تَسْوِيلِ النَّفْسِ وَالْهَوَى وَالشَّيْطَانِ لِيُثَبِّطَ عَنْ بَرَكَةِ الِاتِّبَاعِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ غَيْرُ الْمُعْتَقِدِ يَقُولُ: هَذَا يَابِسٌ مُشَدَّدٌ مَرْبُوطٌ يُشِيرُ بِكَلَامِهِ وَحَالِهِ إلَى أَنَّ غَيْرَهُ عَلَى الْبَاطِلِ، وَهُوَ عَلَى الْحَقِّ وَالطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ.
وَكَلَامُهُمْ هَذَا يَرُدُّهُ مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ مِنْ أُمَّتِي قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ الْغُرَبَاءُ مِنْ أُمَّتِكَ؟ قَالَ: الَّذِينَ يَصْلُحُونَ إذَا فَسَدَ النَّاسُ» وَفِي رِوَايَةٍ: الَّذِينَ يُصْلِحُونَ مَا أَفْسَدَ النَّاسُ مِنْ بَعْدِي مِنْ سُنَّتِي، وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute