وَتَخْلِيصُهُ مِنْ غَمَرَاتِ هُمُومِ الدُّنْيَا وَمُكَابَدَتِهَا وَالْفِكْرَةِ فِيهَا وَالتَّعَرِّي مِنْ ذَلِكَ مَرَّةً وَاحِدَةً هَذِهِ هِيَ الطَّهَارَةُ الْبَاطِنَةُ، وَالظَّاهِرَةُ تَبَعٌ لِهَذِهِ وَإِشَارَةٌ إلَيْهَا وَتَحْرِيضٌ عَلَيْهَا حَتَّى يَتَنَبَّهَ الْغَافِلُ وَالسَّاهِي لِلْمُرَادِ.
وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ عَبْدُ الْجَلِيلِ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ لَهُ: فَالْوُضُوءُ الَّذِي هُوَ غَسْلُ الْجَوَارِحِ كُلِّهَا مِنْ الْإِسْلَامِ وَطَهَارَةُ الْبَاطِنِ عَلَى مَعْنَى التَّوْبَةِ مِنْ اكْتِسَابِ الْجَوَارِحِ إيمَانًا وَبِهِ يَكْمُلُ الْوُضُوءُ انْتَهَى ثُمَّ إذَا رَتَّبَ غَسْلَهَا عَلَى تَرْتِيبِ سُرْعَةِ الْحَرَكَةِ فِي الْمُخَالَفَةِ فَمَا كَانَ مِنْهَا عَلَى التَّحْرِيكِ أَسْرَعُ مِنْ غَيْرِهِ أُمِرَ بِغَسْلِهِ قَبْلَ صَاحِبِهِ فَأَمَرَ بِغَسْلِ الْوَجْهِ أَوَّلًا، وَفِيهِ الْفَمُ وَالْأَنْفُ وَالْعَيْنَانِ فَابْتَدَأَ بِالْمَضْمَضَةِ أَوَّلًا عَلَى سَبِيلِ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ الْأَعْضَاءِ وَأَشَدُّهَا حَرَكَةً أَعْنِي اللِّسَانَ فِيمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ مِنْ الْأَعْضَاءِ قَدْ يَسْلَمُ، وَهُوَ كَثِيرُ الْعَطَبِ قَلِيلُ السَّلَامَةِ فِي الْغَالِبِ.
أَلَا تَرَى إلَى مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ شَأْنِهِ، وَهُوَ أَنَّ الْأَعْضَاءَ فِي يَوْمٍ تُنَاشِدُهُ فِي أَنْ يُسْلِمَهَا مِنْ آفَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا هَلَكَ لَا يَهْلَكُ وَحْدَهُ بَلْ يُهْلِكُ نَفْسَهُ وَيُهْلِكُ إخْوَانَهُ.
فَإِذَا جَاءَ الْمُؤْمِنُ إلَى غَسْلِ فَمِهِ يَذْكُرُ إذْ ذَاكَ أَنَّ طَهَارَةَ الظَّاهِرِ إنَّمَا هِيَ إشَارَةٌ إلَى تَطْهِيرِ الْبَاطِنِ فَوَجَدَ إذْ ذَاكَ أَنَّهُ مَطْلُوبٌ مِنْهُ الطَّهَارَةُ الْبَاطِنَةُ فَتَابَ إلَى اللَّهِ وَأَقْلَعَ مِمَّا تَكَلَّمَ بِهِ لِسَانُهُ وَنَطَقَ ثُمَّ يَتُوبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِمَّا شَمَّ بِأَنْفِهِ وَاسْتَنْشَقَ ثُمَّ يَتُوبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِمَّا نَظَرَتْ عَيْنَاهُ وَالْتَذَّتْ فَإِذَا تَابَ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ دَخَلَ إذْ ذَاكَ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «التَّوْبَةُ تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا» .
جَاءَ الْحَدِيثُ «فَإِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَتْ الْخَطَايَا مِنْ وَجْهِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَشْفَارِ عَيْنَيْهِ» ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَمَرَهُ الشَّرْعُ بِغَسْلِ الْيَدَيْنِ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَكَلَّمَ اللِّسَانُ وَنَظَرَتْ الْعَيْنَانِ بَطَشَتْ الْيَدَانِ وَلَمَسَتَا فَالْيَدَانِ بَعْدَهُمَا فِي تَرْتِيبِ الْمُخَالَفَةِ فَأَمَرَ بِطَهَارَتِهِمَا فَإِذَا جَاءَ إلَى طَهَارَتِهِمَا ابْتَدَأَ بِطَهَارَتِهِمَا بَاطِنًا فَتَابَ مِمَّا لَمَسَتْ يَدُهُ أَوْ تَحَرَّكَتْ النَّدَمُ تَوْبَةٌ وَالتَّوْبَةُ تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا جَاءَ الْحَدِيثُ.
«فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَتْ الْخَطَايَا مِنْ يَدَيْهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظَافِرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute