فَيَرْجِعُ كَأَنَّهُ أَبْيَضُ فَيَظُنُّ الْمُشْتَرِي أَنَّ بَاطِنَهُ مِثْلُ ظَاهِرِهِ.
وَهَذِهِ نُبَذٌ مِمَّا يَغُشُّ بِهِ بَعْضُهُمْ وَمَا وَقَعَ التَّنْبِيهُ بِهِ يُغْنِي عَنْ تَتَبُّعِ الْمَسَائِلِ الْبَاقِيَةِ، وَالْأَمْرُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ سَهْلٌ يَسِيرٌ عَلَى مَنْ أَرَادَ خَلَاصَ ذِمَّتِهِ وَبَرَاءَتَهَا مِنْ التَّبِعَاتِ وَوُقُوعَ الْبَرَكَةِ لَهُ حَالًا وَمَآلًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَزِيدُ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا يَسِيرًا فِي أُجْرَةِ الصُّنَّاعِ وَالْمُؤَنِ كَشِرَاءِ الْأَوْعِيَةِ الَّتِي يُغَطِّي بِهَا وَزِيَادَةِ ثَمَنِ الْمَاءِ الَّذِي يَغْسِلُونَ بِهِ مَا يَنُوبُهُمْ وَإِجَارَةِ مَنْ يَقُومُ بِتَغْطِيَةِ الْأَوْعِيَةِ وَصِيَانَتِهَا وَإِجَارَةِ أَمِينٍ يَلْحَظُ بِنَظَرِهِ الصُّنَّاعَ فَيَأْمُرُهُمْ بِغَسْلِ أَقْدَامِهِمْ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُنَبَّهَ عَلَى مِثْلِ هَذَا؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ وَاجِبٌ وَالْوَاجِبُ قَلَّ أَنْ يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ أَهَمُّ أُمُورِهِ عَلَيْهِ مَا كَانَ مِنْ الْفَرَائِضِ وَهَذَا فَرْضٌ فَأَشْبَهَ ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ قَبْلُ فِي أُمُورِ الْوَرَّاقَةِ مِنْ أَنَّ صَاحِبَهَا يَشْتَرِطُ عَلَى الصُّنَّاعِ فِعْلَ الصَّلَاةِ الْوَاجِبَةِ وَإِنْ كَانَتْ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَى جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ لَكِنْ لَمَّا أَنْ اعْتَادَ بَعْضُ مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ تَرْكَهَا اُحْتِيجَ إلَى اشْتِرَاطِ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَكَذَلِكَ فِيمَا نَحْنُ بِسَبِيلِهِ مِنْ أَمْرِ الْمَطَابِخِ، وَلَوْ كَانَ الصَّانِعُ يَتَحَفَّظُ عَلَى دِينِهِ وَمُسْتَأْجِرُهُ يَطْلُبُ مِنْهُ دَوَامَ الْعَمَلِ وَيَشِحُّ عَلَيْهِ بِإِيقَاعِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا فَهُوَ آثِمٌ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا يَدْخُلُ إيقَاعُهَا بِشُرُوطِهَا فِي الْإِجَارَةِ، وَلَوْ شُرِطَ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَثْنًى فِي الشَّرْعِ الشَّرِيفِ وَيَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يُعْطِيَهُ الْأُجْرَةَ كَامِلَةً وَيَحْرُمُ عَلَى الصَّانِعِ أَنْ يُطِيعَهُ فِي تَرْكِ الصَّلَاةِ وَالْجُمُعَةِ وَصَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَلَا يَعْمَلُ عِنْدَ مَنْ هَذَا حَالُهُ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِجْرَانِهِ فَكَيْفَ يَعْمَلُ عِنْدَهُ وَفِي نَفْسِ الْعَمَلِ عِنْدَهُ إعَانَةٌ لَهُ.
(فَصْلٌ) وَلَا حُجَّةَ لِمَنْ يَدَّعِي مِنْ أَصْحَابِ الْمَطَابِخِ أَنَّ مَا ذُكِرَ قَبْلُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِمْ لِكَثْرَةِ الْأَوْعِيَةِ لِاحْتِيَاجِهِمْ إلَى ثَمَنِ الْأَغْطِيَةِ وَلِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى الصُّنَّاعِ أَنَّهُمْ لَا يَسْمَعُونَ مَا يُقَالُ لَهُمْ مِمَّا يُؤْمَرُونَ بِهِ أَوْ يُنْهَوْنَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ رَاجِعٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ زِيَادَةٍ يَسِيرَةٍ فَيَحْصُلُ لَهُ بِذَلِكَ خَلَاصُ ذِمَّتِهِ وَالثَّوَابُ الْجَزِيلُ وَالْخَيْرُ الْمُتَعَدِّي فِيمَا هُوَ بِسَبِيلِهِ بِسَبَبِ نُصْحِهِ لِلْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ مَرْضَاهُمْ يَحْتَاجُونَ لِلْغِذَاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute