لِأَنَّ الْأَخَ الشَّقِيقَ يُقَاسِمُ أَخَاهُ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ فَإِنْ أَخَذَ الْأَخُ دِينَارًا أَوْ دِرْهَمًا أَوْ ثَوْبًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ أَخَذَ الْأَخُ مِثْلَهُ فَكَذَلِكَ حَالُ الْمُرِيدِ مَعَ إخْوَانِهِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ إنْ لَبِسَ ثَوْبًا كَسَا أَخَاهُ مِثْلَهُ، وَإِنْ أَكَلَ طَعَامًا أَطْعَمَ أَخَاهُ مِنْهُ أَوْ مِثْلَهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ: وَهِيَ أَقَلُّ الدَّرَجَاتِ فِي الْأُخُوَّةِ، وَهِيَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَك مِثْلَ عَبْدِك أَعْنِي أَنَّ الْعَبْدَ يَجِبُ عَلَيْك أَنْ تَقُومَ بِضَرُورَتِهِ مِنْ غِذَائِهِ، وَكِسْوَتِهِ، وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ ضَرُورَاتِهِ فِي صَلَاحِ دِينِهِ، وَدُنْيَاهُ، وَكَذَلِكَ الْمُرِيدُ مَعَ أَخِيهِ إذْ إنَّهُ لَا يَشْبَعُ الْمُكَلَّفُ، وَعَبْدُهُ جَائِعٌ، وَلَا يَلْبَسُ، وَعَبْدُهُ عُرْيَانٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَقَدْ خَرَّجَ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ: «رَأَيْت أَبَا ذَرٍّ الْغِفَارِيَّ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ، وَعَلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إنِّي سَابَبْت رَجُلًا فَشَكَانِي إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَعَيَّرْته بِأُمِّهِ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ إخْوَانَكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَأَعِينُوهُمْ» فَإِنْ تَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ فَيَنْبَغِي أَوْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَدَّعِيَ الْأُخُوَّةَ لِعَجْزِهِ عَنْ الْقِيَامِ بِحَقِّهَا إذْ إنَّهُ قَدْ يَشْبَعُ، وَأَخُوهُ جَائِعٌ، وَقَدْ يَلْبَسُ، وَأَخُوهُ عُرْيَانٌ فَيُوجِبُ عَلَى نَفْسِهِ حَقًّا لَهُ لِمَنْ يَكُنْ عَلَيْهِ فَتَتَعَمَّرُ الذِّمَّةُ بِالْحُقُوقِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ شَرْعِيَّةٍ، وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ كَثُرَ فِي هَذَا الزَّمَانِ فَإِذَا أَحْسَنُوا الظَّنَّ بِأَحَدٍ مِنْ الْفُقَرَاءِ طَلَبُوا مِنْهُ الْأُخُوَّةَ فَإِنْ أَجَابَهُمْ لِمَا طَلَبُوهُ، وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ حُقُوقٌ كَثِيرَةٌ، ثُمَّ إنَّهُمْ يَنْصَرِفُونَ بَعْدَ الْأُخُوَّةِ مَعَهُ، وَلَا يَرْجِعُونَ إلَيْهِ غَالِبًا بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَا يَعْرِفُونَ كَيْفَ حَالُهُ أَبَاتَ جَائِعًا أَمْ لَا أَوْ هُوَ عُرْيَانٌ أَمْ لَا، وَقَدْ يَكُونُ مِنْهُمْ مَنْ يَتَفَقَّدُهُ لَكِنْ بِالرُّؤْيَةِ وَالسُّؤَالِ لَيْسَ إلَّا دُونَ إعَانَةٍ وَمُشَارَكَةٍ فَشَغَلُوا ذِمَّتَهُمْ بِشَيْءٍ كَانُوا فِي غِنًى عَنْ تَرَتُّبِهِ فِيهَا.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ إذَا لَمْ يَقْدِرْ السَّيِّدُ عَلَى نَفَقَتِهِ، وَكِسْوَتِهِ أَمَرَهُ الشَّرْعُ بِبَيْعِهِ فَالْبَيْعُ فِي حَقِّ الْعَبْدِ مُقَابِلُهُ فِي حَقِّ الْأَخِ فَإِنَّك إذَا عَجَزْت عَنْ الْمَرْتَبَةِ الثَّالِثَةِ نَزَّلْت
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute