فَيُصَحِّحَ نِيَّتَهُ وَيُجَرِّدَهَا لِلَّهِ تَعَالَى وَيُخَلِّصَهَا مِنْ دَنَسِ مَا تَتَعَلَّلُ بِهِ النُّفُوسُ مِنْ تَحْصِيلِ الدُّنْيَا وَكَثْرَتِهَا وَطَلَبِ الرِّزْقِ وَالزِّيَادَةِ مِنْهُ إذْ إنَّ الرِّزْقَ مَقْسُومٌ وَقَدْ قَدَّرَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ.
لِمَا وَرَدَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ الْأَرْزَاقَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْأَشْبَاحَ بِأَلْفَيْ عَامٍ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَالرِّزْقُ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ فَلَا يَسُوقُهُ حِرْصُ حَرِيصٍ. وَيَعْمَلُ عَلَى التَّخْلِيصِ مِنْ هَذِهِ الدَّنَاءَةِ وَيَرْجِعُ إلَى مَا هُوَ الْأَوْلَى وَالْأَرْجَحُ عِنْدَ رَبِّهِ. فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلَا فَرْقَ إذَنْ بَيْنَ صَلَاتِهِ وَصَوْمِهِ الْمُتَطَوِّعِ بِهِمَا وَبَيْنَ بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ إذْ إنَّهَا كُلَّهَا أَعْمَالٌ يَتَقَرَّبُ بِهَا إلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَيَزِيدُ بِسَبَبِهَا فَضِيلَةً فَإِنَّهُ خَيْرٌ مُتَعَدٍّ وَالْخَيْرُ الْمُتَعَدِّي أَرْجَحُ مِمَّا هُوَ مَقْصُورٌ عَلَى الْمَرْءِ نَفْسِهِ فَيَعْمَلُ عَلَى هَذَا يَنْجَحُ سَعْيُهُ وَيَظْفَرُ بِمُرَادِهِ سِيَّمَا عِنْدَ انْكِشَافِ غُبَارِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وَلِأَجْلِ هَذَا الْمَعْنَى لَمَّا أَنْ عَدَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَشْرَاطَ السَّاعَةِ عَدَّ مِنْهَا تَقَارُبَ الزَّمَانِ وَقَدْ وَجَدْنَا الزَّمَانَ وَاحِدًا عِنْدَنَا وَعِنْدَ سَلَفِنَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَمْ يَزِدْ لَهُمْ فِيهِ شَيْءٌ وَلَمْ يَنْقُصْ لَنَا مِنْهُ شَيْءٌ لَكِنْ لَمَّا أَنْ كَانَ تَسَبُّبُهُمْ وَحَرَكَاتُهُمْ وَسَكَنَاتُهُمْ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِمْ لِرَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ رَبِحُوا بِسَبَبِ ذَلِكَ أَعْمَارَهُمْ إذْ إنَّ الْعُمْرَ لَيْسَ فِيهِ فَائِدَةٌ إلَّا وُقُوعَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فِيهِ فَكَانُوا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ لَمَّا أَنْ كَانَتْ حَرَكَاتُهُمْ وَسَكَنَاتُهُمْ كُلُّهَا لِرَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ لِلنَّفْسِ فِيهَا حَظٌّ، وَلَا لِلَّهْوِ فِيهَا مَطْمَعٌ إلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ رَجَاءَ الثَّوَابِ وَآخَرُونَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ امْتِثَالًا لِأَمْرِ الرُّبُوبِيَّةِ وَاتِّصَافًا بِرَسْمِ الْعُبُودِيَّةِ وَهَذَا أَعْلَى الْمَقَامَاتِ وَأَرْفَعُهَا بِخِلَافِ أَحْوَالِنَا الْيَوْمَ إذْ إنَّ.
الْغَالِبَ عِنْدَنَا فِي التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى إنَّمَا هُوَ بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَهُمَا بِالنَّظَرِ إلَى تَصَرُّفِنَا قَلِيلٌ مِنْ كَثِيرٍ وَمَا عَدَا ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ عِنْدَنَا لِرَاحَةِ النُّفُوسِ أَوْ لِحُظُوظِهَا أَوْ لِاكْتِسَابِ الدُّنْيَا أَوْ الزِّيَادَةِ مِنْهَا.
(فَصْلٌ)
وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَكُونَ هَيِّنًا لَيِّنًا فِي بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ.
مَعَ وُجُودِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute