للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّحَفُّظِ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الْإِجْحَافِ بِهَا فِيمَا يُخِلُّ بِحَالِهَا فَإِذَا بَاعَ سَامَحَ بِالشَّيْءِ الَّذِي لَا يَضُرُّ بِحَالِهِ. وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى يُسَامِحُ الْبَائِعَ بِالشَّيْءِ الَّذِي لَا يَضُرُّ بِهِ لِيَغْتَنِمَ بِذَلِكَ الدُّخُولَ فِي بَرَكَةِ دُعَائِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَيْثُ يَقُولُ «رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً سَمْحًا إذَا بَاعَ سَمْحًا إذَا اشْتَرَى» وَلْيَحْذَرْ مِنْ اسْتِشْرَافِ النَّفْسِ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَزَّازِ فَإِذَا أَتَى الْمُشْتَرِي إلَى دُكَّانِهِ فَحِينَئِذٍ يَبِيعُهُ، وَأَمَّا إنْ كَانَ مَارًّا أَوْ وَقَفَ عَلَى مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ فَلْيَغُضَّ طَرْفَهُ عَنْهُ، وَلَا يَنْظُرْ إلَى جِهَتِهِ بَلْ حَتَّى يَقْصِدَهُ الْمُشْتَرِي؛ لِمَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ أَوْ يَسُومَ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ فَإِنْ فَعَلَهُ كَانَ حَرَامًا وَامْتَحَقَتْ الْبَرَكَةُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ لِمُخَالَفَتِهِ لِلشَّرْعِ الشَّرِيفِ.

(فَصْلٌ)

وَلْيَحْذَرْ أَنْ يَخْلِطَ مَعَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مَا اعْتَادَهُ بَعْضُ أَهْلِ هَذَا الزَّمَانِ مِنْ الْحَلِفِ بِالْأَيْمَانِ عَلَى مَا يُحَاوِلُونَهُ فِي بَيْعِهِمْ وَشِرَائِهِمْ وَذَلِكَ خِلَافُ السُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ وَهُوَ مَذْمُومٌ وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَيْلٌ لِلتَّاجِرِ مِنْ تَاللَّهِ وَبِاَللَّهِ» وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ خِلَافُ مَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَفُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا عَلَى سَبِيلِ التَّعَبُّدِ لِتَعْظِيمِهِ فِي قُلُوبِهِمْ وَكَانُوا يُحَافِظُونَ عَلَى امْتِثَالِ سُنَّةِ نَبِيِّهِمْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِخِلَافِ مَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ هَذَا الزَّمَانِ مِنْ أَنَّ أَيْمَانَهُمْ إنَّمَا هِيَ لِلرَّغْبَةِ فِي الدُّنْيَا وَاسْتِجْلَابِهَا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: قَدْ كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَحْلِفُ فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَاَللَّهِ لَا يَقْضِي اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِ قَضَاءً إلَّا كَانَ خَيْرًا لَهُ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا وَرَدَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -.

فَالْجَوَابُ أَنَّ يَمِينَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَيْسَتْ بِدَاخِلَةٍ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا بَلْ هِيَ كُلُّهَا مِنْ بَابِ التَّرْغِيبِ وَالنَّدْبِ لِمَا شَرَعَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَإِذَا تَتَبَّعْت ذَلِكَ وَجَدْته كَذَلِكَ.

(فَصْلٌ)

وَيَنْبَغِي لَهُ أَنَّهُ مَهْمَا قَدَرَ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ بِالدَّيْنِ فَلْيَفْعَلْ لِوَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا - أَنَّهُ يَسُدُّ بِذَلِكَ بَابَ النِّزَاعِ وَالْخُلْفِ فِي الْوَعْدِ.

وَالثَّانِي - أَنَّهُ يُزِيلُ بِذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>