للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ نَفْسِهِ مَا يَتَوَقَّعُهُ مِنْ الذُّلِّ بِسَبَبِ الدَّيْنِ الَّذِي يَأْخُذُهُ؛ لِأَنَّ الْمُدَانَ فِي الْغَالِبِ تَجِدُ عَلَيْهِ أَثَرَ الذُّلِّ. وَقَدْ وَرَدَ الْحَدِيثُ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُؤْمِنُ لَا يُذِلُّ نَفْسَهُ» وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الدَّيْنَ رِيبَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَذَلَّةٌ بِالنَّهَارِ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إلَى الدَّيْنِ وَيَكُونَ مِنْ يُدَايِنُهُ مُتَّصِفًا بِالسَّمَاحَةِ وَالدِّينِ فَلَا بَأْسَ إذَنْ، وَلَا يَبْنِي عَلَى مَا يَعْلَمُهُ مِنْهُ مِنْ قَدِيمِ الصُّحْبَةِ وَحُسْنِ الْمَوَدَّةِ فَإِنَّ أَعَزَّ الْأَشْيَاءِ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ الْيَوْمَ دُنْيَاهُمْ وَالْحِرْصُ عَلَيْهَا وَتَرْكُ الْمُسَامَحَةِ بِهَا فَلْيَحْذَرْ مِنْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

(فَصْلٌ)

وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا دَفَعَ الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ أَوْ أَخَذَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي فَإِذَا دَفَعَ لِغَيْرِهِ أَرْجَحَ لَهُ وَإِذَا قَبَضَ لِنَفْسِهِ فَلْيَأْخُذْ شَحِيحًا لِيَكُونَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَرَامِ. فَكَذَلِكَ فِي وَزْنِ السِّلَعِ سَوَاءٌ بِسَوَاءٍ.

(فَصْلٌ)

وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ تَكُونَ السِّلَعُ عِنْدَهُ مَحْفُوظَةً لِئَلَّا يَقَعَ فِيهَا شَيْءٌ مِمَّا تَسْتَقْذِرُهُ النُّفُوسُ.

مِثَالُهُ أَنْ يَتْرُكَ بَعْضَ مَا عِنْدَهُ مِنْ السِّلَعِ الْيَابِسَةِ مَكْشُوفًا فَتَبُولُ فِيهِ الْفَأْرَةُ فَيَتَنَجَّسُ بَعْضُهُ بِذَلِكَ وَيُسْتَقْذَرُ بَاقِيهِ فَإِنْ وَقَعَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَلْيُبَيِّنْ لِلْمُشْتَرِي فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ دَخَلَ بِسَبَبِ ذَلِكَ فِي الْغِشِّ نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ بِمَنِّهِ.

(فَصْلٌ)

فَإِنْ كَانَ الْعَطَّارُ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ الَّذِي يَشْتَرِي مِنْ الْعَطَّارِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ فَيَحْتَاجُ أَنْ يُخْلِصَ نِيَّتَهُ فِيمَا يُحَاوِلُهُ فَيَجْعَلُهَا لِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَكَيْفِيَّتُهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِيمَنْ قَبْلَهُ وَهُوَ أَنْ يُيَسِّرَ عَلَى إخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ مَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْ السِّلَعِ الَّتِي يُحَاوِلُهَا فَيُيَسِّرُهَا لَهُمْ قَرِيبَةً مِنْ مَوَاضِعِهِمْ؛ لِأَنَّ فِي خُرُوجِ بَعْضِهِمْ إلَى مَوْضِعِ الْعَطَّارِينَ الْكِبَارِ مَشَقَّةً عَلَيْهِمْ.

وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْغَالِبَ فِي النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي الْأُوقِيَّةَ وَنِصْفَ الْأُوقِيَّةِ وَالرُّبْعَ وَالثُّمُنَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَالْعَطَّارُ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ لَا يَلْتَفِتُ إلَى ذَلِكَ فَيَكُونُ هَذَا بِشِرَائِهِ مِنْهُ مُيَسِّرًا عَلَى إخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ مَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ سِيَّمَا إنْ كَانَتْ دُكَّانُهُ فِي مَوْضِعٍ بَعِيدٍ مِنْ الْعَطَّارِينَ الْكِبَارِ فَإِنَّهُ يَعْظُمُ ثَوَابُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>