بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تُضْطَرُّ الْمَرْأَةُ وَغَيْرُهَا مِنْ أَرْبَابِ الضَّرُورَاتِ أَنْ يَخْرُجُوا لِشِرَاءِ ذَلِكَ فَإِذَا وَجَدُوا مَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ قَرِيبًا مِنْ بُيُوتِهِمْ زَالَ عَنْهُمْ التَّعَبُ وَالْمَشَقَّةُ فِي مَشْيِهِمْ لِمَوْضِعِ الْعَطَّارِ الْكَبِيرِ فَكَأَنَّهُ أَعْطَاهُمْ ذَلِكَ مِنْ جِهَتِهِ بِلَا ثَمَنٍ إذْ إنَّ مَا يَلْحَقُهُمْ مِنْ الْمُضِيِّ إلَى تِلْكَ الْمَوَاضِعِ الْبَعِيدَةِ أَكْثَرُ مَشَقَّةً. ثُمَّ كَذَلِكَ بِهَذِهِ النِّسْبَةِ فِي تَيْسِيرِ كُلِّ مَا يُحَاوِلُهُ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ إخْوَانُهُ الْمُسْلِمُونَ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الثَّوَابِ الْجَزِيلِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَاَللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا دَامَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» ثُمَّ يَصْحَبُ ذَلِكَ بِنِيَّةِ الْإِيمَانِ وَالِاحْتِسَابِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
(فَصْلٌ)
وَقَدْ تَقَدَّمَ قَبْلُ فِي الْبَزَّازِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ إذَا سَمِعَ الْأَذَانَ تَرَكَ كُلَّ مَا هُوَ فِيهِ وَاشْتَغَلَ بِحِكَايَةِ الْمُؤَذِّنِ وَمَضَى إلَى مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ إيقَاعِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ فِي جَمَاعَةٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَفْضَلُ لَهُ فَلْيُبَادِرْ إلَى مَا هُوَ الْأَفْضَلُ وَالْأَعْلَى ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى دُكَّانِهِ وَذَلِكَ أَبْرَكُ لَهُ فِي مَالِهِ وَأَنْجَحُ لَهُ فِي سَعْيِهِ.
وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَحْذَرَ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ فِي الْوَزْنِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَوْزُونُ قَدْ شَحَّ قَلِيلًا فَيُخْرِجَهُ وَيَدْفَعَهُ لِلْمُشْتَرِي وَيَزِيدَ عَلَيْهِ شَيْئًا بِغَيْرِ وَزْنٍ فَيَحْصُلُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى وَزْنٍ مَعْلُومٍ وَأَخَذَ مَجْهُولًا لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الزِّيَادَةُ نَاقِصَةً عَنْ حَقِّهِ أَوْ زَائِدَةً عَلَيْهِ فَتَقَعَ الْجَهَالَةُ فِي الْوَزْنِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِهِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِلْغَرَرِ الْحَاصِلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فِي الشَّرْعِ الشَّرِيفِ فَإِنْ قِيلَ: الْغَرَرُ الْيَسِيرُ مُغْتَفَرٌ فِي الْبِيَاعَاتِ. فَالْجَوَابُ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ الصَّقَلِّيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فَقَالَ: وَقَدْ يَجُوزُ الْغَرَرُ الْيَسِيرُ إذَا دَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ إذَا لَمْ تَدْعُ إلَيْهِ حَاجَةٌ. وَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّهَا قَدْرُ حَقِّهِ لَكَانَ ذَلِكَ مَمْنُوعًا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ حِينَ أَخَذَهُ أَنَّهُ قَدْرُ حَقِّهِ فَامْتَنَعَ لِذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: هِبَةُ الْمَجْهُولِ جَائِزَةٌ وَالْمُشْتَرِي وَالْحَالَةُ هَذِهِ قَدْ وَهَبَ ذَلِكَ الشَّيْءَ الْمَجْهُولَ لِبَائِعِهِ فَيَجُوزُ ذَلِكَ.
فَالْجَوَابُ أَنَّ هِبَةَ الْمَجْهُولِ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ تَحَقُّقِ زِنَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute