وَجَلَّ خَلَقَهُ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ لَوْنًا فَلَوْنُهُ لَوْنُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ أَبْيَضَ أَوْ أَصْفَرَ أَوْ أَحْمَرَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ يَرْجِعُ الْمَاءُ فِي لَوْنِهِ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْمَاءُ إذَا دَخَلَ فِي جَوْفِ الْمَرِيضِ تَغَيَّرَ إلَى حَالَةِ الْمَرَضِ الَّذِي يَشْكُو بِهِ الْمَرِيضُ فَيَعْرِفُ الطَّبِيبُ إذْ ذَاكَ الْعِلَّةَ أَوْ يَقْرُبُ فِيهَا مِنْ الْيَقِينِ حَتَّى إنَّ بَعْضَ الْأَطِبَّاءِ الْعَارِفِينَ بِهَذِهِ الصَّنْعَةِ إذَا وَصَفَ لَهُمْ الْمَرِيضُ مَا بِهِ أَوْ وَصَفَ لَهُمْ عَنْهُ لَا يَأْخُذُونَ بِهِ، وَلَا يُعَوِّلُونَ عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ الْغَلَطِ وَالْوَهْمِ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ الْقَارُورَةِ فَإِنَّهَا لَا تُخْطِئُ فِي الْغَالِبِ فَيَعْرِفُ الطَّبِيبُ إذَا رَآهَا مَا بِالْمَرِيضِ مِنْ الشَّكْوَى فَيَعْمَلُ الطَّبِيبُ عَلَى مُقْتَضَى مَا يَظْهَرُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ.
وَقَدْ مَرِضَ سَيِّدِي أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ عَجْلَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِمَدِينَةِ تُونُسَ وَكَانَ مِنْ أَكَابِرِ وَقْتِهِ فِي الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ فَسُئِلَ أَنْ يُؤْتَى لَهُ بِالطَّبِيبِ فَامْتَنَعَ فَمَا زَالُوا بِهِ حَتَّى أَنْعَمَ لَهُمْ فَجَاءُوا بِالطَّبِيبِ فَنَظَرَ إلَى الْقَارُورَةِ فَقَالَ: يَا سَيِّدِي تَشْتَكِي بِكَذَا وَكَذَا قَالَ نَعَمْ قَالَ تَشْتَكِي بِكَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، ثُمَّ كَذَلِكَ إلَى أَنْ عَدَّ لَهُ سَبْعَةَ عَشَرَ مَرَضًا. وَكَانَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُخْفِي ذَلِكَ، وَلَا يَذْكُرُهُ لِأَحَدٍ. لِمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مِنْ كُنُوزِ الْبِرِّ كِتْمَانُ الْمَصَائِبِ» وَقَدْ تَقَدَّمَ.
لَكِنْ لَمَّا أَنْ ذَكَرَ لَهُ الطَّبِيبُ ذَلِكَ وَهُوَ حَقٌّ لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَسْكُتَ خَشْيَةَ أَنْ يُظَنَّ بِالطَّبِيبِ أَنَّهُ قَلِيلُ الْمَعْرِفَةِ أَوْ أَنَّهُ كَذَبَ فِيمَا قَالَ ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ لَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ الْكِتْمَانِ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ خَرَجَ بِهِ عَنْهُ قَدْ عُوِّضَ عَنْهُ ثَوَابًا آخَرَ وَهُوَ عَدَمُ تَكْذِيبِ الطَّبِيبِ وَدَفْعُ سُوءِ الظَّنِّ عَنْ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ وَإِظْهَارُ مَعْرِفَتِهِ لِإِخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ. فَانْظُرْ رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ كَيْفَ اسْتَخْرَجَ الطَّبِيبُ مِنْ الْقَارُورَةِ الْوَاحِدَةِ هَذِهِ الْأَمْرَاضَ كُلَّهَا.
وَقَدْ كَانَ بِمِصْرَ قَبْلَ هَذَا الزَّمَانِ بِقَلِيلٍ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ إذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ يَجِدُ النَّاسَ مُجْتَمَعِينَ يَنْتَظِرُونَ خُرُوجَهُ كُلٌّ مِنْهُمْ بِقَارُورَةٍ فَيَنْظُرُ فِي كُلِّ قَارُورَةٍ وَيَصِفُ الْمَرَضَ وَالدَّوَاءَ لِكُلِّ وَاحِدٍ فَإِذَا جَاءَهُ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِ قَارُورَةٍ يَصِفُ مَا بِمَرِيضِهِ لَا يُجَاوِبُهُ بِشَيْءٍ وَيَقُولُ: حَتَّى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute