يُبَاعُ فِي الْأَسْوَاقِ لَمَا كَانَ يَنْبَغِي لِطُلَّابِ الْآخِرَةِ أَنْ يَشْتَرُوا غَيْرَهُ.
وَقَالَ: الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا شَبِعْت مُنْذُ خَمْسَةَ عَشَرَ عَامًا إلَّا شُبْعَةً فَطَرَحْتهَا؛ لِأَنَّ الشِّبَعَ يُثْقِلُ الْبَدَنَ، وَيُقْسِي الْقَلْبَ، وَيُزِيلُ الْفَطِنَةَ، وَيَجْلِبُ النَّوْمَ، وَيُضْعِفُ صَاحِبَهُ عَنْ الْعِبَادَةِ، وَقَالَ: سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التُّسْتَرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَّا خَلْقَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الدُّنْيَا جَعَلَ فِي الشِّبَعِ الْقَسْوَةَ وَالْجَهْلَ، وَجَعَلَ فِي الْجُوعِ الْعِلْمَ وَالْحِكْمَةَ، وَقَالَ: بِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْجُوعُ يُصَفِّي الْفُؤَادَ، وَيُمِيتُ الْهَوَى، وَيُوَرِّثُ الْعِلْمَ الدَّقِيقَ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْجُوعُ لِلْمُرِيدِينَ رِيَاضَةٌ، وَلِلتَّائِبِينَ تَجْرِبَةٌ، وَلِلزُّهَّادِ سِيَاسَةٌ، وَلِلْعَارِفِينَ مَكْرُمَةٌ، وَسُئِلَ الْجُنَيْدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ صِفَةِ الصُّوفِيَّةِ فَقَالَ: طَعَامُهُمْ طَعَامُ الْمَرْضَى، وَنَوْمُهُمْ نَوْمُ الْغَرْقَى، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ زَاهِدٍ قَدْ أَفْسَدَتْ مَعِدَتَهُ أَلْوَانُ الْأَغْنِيَاءِ، وَقَالَ رَجُلٌ لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - إنِّي جَائِعٌ فَقَالَ: كَذَبْت قَالَ: وَمِنْ أَيْنَ عَلِمْت؟ قَالَ: لِأَنَّ الْجُوعَ فِي خَزَائِنِهِ الْوَثِيقَةِ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا مَنْ يُفْشِي سِرَّهُ، وَلَا يُعْطَاهُ مَنْ لَا يَشْكُرُهُ، وَرُوِيَ أَنَّ بَعْضَ الْفُقَرَاءِ اشْتَكَى إلَى شَيْخِهِ الْجُوعَ، ثُمَّ ذَهَبَ فَرَأَى دِرْهَمًا مَطْرُوحًا مَكْتُوبًا عَلَيْهِ أَمَا كَانَ اللَّهُ عَالِمًا بِجُوعِك حَتَّى قُلْت إنِّي جَائِعٌ، وَقَالَ: فَتْحٌ الْمَوْصِلِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوْصَانِي ثَلَاثُونَ شَيْخًا عِنْدَ فِرَاقِي لَهُمْ بِتَرْكِ عِشْرَةِ الْأَحْدَاثِ، وَقِلَّةِ الْأَكْلِ، وَيُرْوَى عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى ابْنِ عَوْنٍ فِي الْحَبْسِ، وَإِذَا عُمَّالُ بَنِي أُمَيَّةَ مُقَيَّدُونَ فِي الْحَدِيدِ فَحَضَرَ غَدَاؤُهُمْ فَجَعَلَ الْخَدَمُ يَنْقُلُونَ الْأَلْوَانَ فَقَالُوا هَلُمَّ يَا أَبَا يَحْيَى فَقَالَ: مَا أُحِبُّ أَنْ آكُلَ مِثْلَ هَذَا الطَّعَامِ، وَأَنْ يُوضَعَ فِي رِجْلِي مِثْلُ هَذَا الْحَدِيدِ، وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «خَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَقِيَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَقَالَ: مَا أَخْرَجَكُمَا؟ فَقَالَا: الْجُوعُ، فَقَالَ: وَأَنَا، وَاَلَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ مَا أَخْرَجَنِي إلَّا الَّذِي أَخْرَجَكُمَا قُومُوا فَأَتَوْا بَيْتًا مِنْ الْأَنْصَارِ، وَإِذَا الرَّجُلُ غَائِبٌ فَقَالَتْ امْرَأَتُهُ: مَرْحَبًا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَيْنَ فُلَانٌ؟ قَالَتْ خَرَجَ يَسْتَعْذِبُ لَنَا مِنْ الْمَاءِ، وَإِذَا بِالرَّجُلِ، وَعَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute