للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَتْرُكُ بَعْضَ الْأَفْعَالِ فَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا لِإِشْرَاقِ نُورِ الْعَقْلِ عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى بَعْضَ الْأَشْيَاءِ قَبِيحَةً وَمُخَالِفَةً لِبَعْضِهَا فَصَارَ يَسْتَحِي مِنْ شَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ وَهَذِهِ هَدِيَّةٌ مِنْ اللَّهِ إلَيْهِ وَبِشَارَةٌ تَدُلُّ عَلَى الْأَخْلَاقِ وَصَفَاءِ الْقَلْبِ، وَهُوَ مُبَشِّرٌ بِكَمَالِ الْعَقْلِ عِنْدَ الْبُلُوغِ فَالصَّبِيُّ الْمُسْتَحِي لَا يَنْبَغِي أَنْ يُهْمَلَ بَلْ يُعَانُ عَلَى تَأْدِيبِهِ بِكَمَالِ حَيَائِهِ وَتَمْيِيزِهِ.

وَأَوَّلُ مَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ مِنْ الصِّفَاتِ شَرَهُ الطَّعَامِ فَيُعَلِّمُهُ مَتَى يَأْكُلُ وَيُعَلِّمُهُ أَنَّهُ لَا يُسْرِعُ فِي الْأَكْلِ وَيَمْضُغُ الطَّعَامَ مَضْغًا جَيِّدًا وَلَا يُوَالِي بَيْنَ اللُّقَمِ وَلَا يُلَطِّخُ يَدَهُ وَلَا ثَوْبَهُ وَيُعَوِّدُهُ الْخُبْزَ الْقِفَارَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ حَتَّى لَا يَصِيرَ بِحَيْثُ يَرَى الْإِدَامَ حَتْمًا وَيُقَبِّحُ عِنْدَهُ كَثْرَةَ الْأَكْلِ بِأَنْ يُشَبِّهَ مِنْ يُكْثِرُ الْأَكْلَ بِالْبَهَائِمِ وَأَنْ يَذُمَّ بَيْنَ يَدَيْهِ الصَّبِيَّ الَّذِي يُكْثِرُ الْأَكْلَ وَيَمْدَحُ بَيْنَ يَدَيْهِ الصَّبِيَّ الْمُتَأَدِّبَ الْقَلِيلَ الْأَكْلِ وَيُحَبِّبَ إلَيْهِ الْإِيثَارَ بِالطَّعَامِ وَقِلَّةَ الْمُبَالَاةِ وَالْقَنَاعَةَ بِالطَّعَامِ الْخَشِنِ أَيَّ طَعَامٍ كَانَ وَيُحَبِّبَ إلَيْهِ مِنْ الثِّيَابِ الْأَبْيَضَ دُونَ الْمُلَوَّنِ وَالْإِبْرَيْسَمِ وَيُقَرِّرَ عِنْدَهُ أَنَّ ذَلِكَ لِبَاسُ النِّسَاءِ وَالْمُخَنَّثِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَمَهْمَا رَأَى عَلَى الصَّبِيِّ ثَوْبًا مِنْ إبْرَيْسَمٍ أَوْ مُلَوَّنٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَنْكِرَهُ وَيَذُمَّ ذَلِكَ ثُمَّ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّمَ إلَى الْمَكْتَبِ وَيُشْغَلَ بِتَعَلُّمِ الْقُرْآنِ وَبِأَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ وَحِكَايَاتِ الصَّالِحِينَ وَالْأَخْيَارِ وَمَا قَارَبَ ذَلِكَ وَيُمْنَعَ مِنْ سَمَاعِ الْأَشْعَارِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الْعِشْقِ وَأَهْلِهِ وَيُحْفَظَ مِنْ مُخَالَطَةِ الْأُدَبَاءِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الظَّرْفِ وَرِقَّةِ الطَّبْعِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَغْرِسُ فِي قُلُوبِ الصِّبْيَانِ الْفَسَادَ ثُمَّ مَهْمَا ظَهَرَ مِنْ الصَّبِيِّ خُلُقٌ جَمِيلٌ وَفِعْلٌ مَحْمُودٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُكَرَّمَ وَيُجَازَى عَلَيْهِ بِمَا يَفْرَحُ بِهِ وَيُمْدَحَ بَيْنَ أَظْهُرِ النَّاسِ فَإِنْ خَالَفَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ مَرَّةً فَيَنْبَغِي أَنْ يُتَغَافَلَ عَنْهُ وَلَا يُهْتَكَ سِتْرُهُ وَلَا يُكَاشَفَهُ وَلَا يُظْهَرَ أَنَّهُ يَتَصَوَّرُ أَنَّ أَحَدًا يَتَحَاشَى عَنْ مِثْلِهِ لَا سِيَّمَا إذَا سَتَرَهُ الصَّبِيُّ وَاجْتَهَدَ فِي إخْفَائِهِ فَإِنَّ إظْهَارَ ذَلِكَ رُبَّمَا يُفِيدُهُ جَسَارَةً حَتَّى لَا يُبَالِي بِالْمُكَاشَفَةِ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ عَادَ ثَانِيًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَاقَبَ سِرًّا

<<  <  ج: ص:  >  >>