وَاعْلَمْ يَا أَخِي عِلْمًا يَقِينًا لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ الصَّادِقَ لَا يَكْذِبُ أَهْلَهُ، وَلَا يَأْلُوهُمْ نُصْحًا فِي ارْتِيَادِهِ لَهُمْ فَإِنَّ أَخَاك مَنْ صَدَقَكَ، وَنَصَحَك، وَإِنْ خَالَفَ صِدْقُهُ، وَنُصْحُهُ هَوَاك، وَإِنَّ عَدُوَّك مَنْ كَذَبَك، وَغَشَّك، وَإِنْ وَافَقَ ذَلِكَ هَوَاكَ، وَاعْلَمْ يَا أَخِي أَنِّي لَمَّا أَطَلْتُ الْفِكْرَةَ، وَصَحَّحْتُ فِي ذَلِكَ النَّظَرَ عَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - بَارِئُ النَّسَمِ، وَوَلِيُّ النِّعَمِ، وَمَالِكُ الْأُمَمِ لَمْ يَخْلُقْنِي، وَإِيَّاكَ عَبَثًا، وَلَا هُوَ تَارِكِي، وَإِيَّاكَ سُدًى، وَأَنَّ لِي، وَلَك مَعَادًا نَقِفُ فِيهِ بَيْنَ يَدَيْ الْمَلِكِ الْجَبَّارِ لِلْحُكْمِ بَيْنَنَا، وَلِلْفَصْلِ فِينَا، وَأَنَّهُ لَمْ يَخْلُقْنِي وَإِيَّاكَ حِينَ خَلَقَنَا لِهَزْلٍ، وَلَا لِلَعِبٍ، وَلَا لِفَنَاءٍ دَائِمٍ، وَإِنَّمَا خَلَقَنَا لِبَقَاءِ الْأَبَدِ، وَدَوَامِ النِّعَمِ فِي جِوَارِهِ، وَجِوَارِ مَلَائِكَتِهِ، وَأَنْبِيَائِهِ، أَوْ فِي الشَّقَاءِ الدَّائِمِ لِلْأَبَدِ فَالْعَاقِلُ مُتَيَقِّظٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ مُسْتَعِدٌّ لِمَا هُوَ صَائِرٌ إلَيْهِ فَانْتَبَهَ مِنْ رَقْدَتِهِ، وَأَفَاقَ مِنْ سَكْرَتِهِ فَعَمِلَ، وَجَدَّ، وَأَبْصَرَ فَزَجَرَ النَّفْسَ عَنْ دَارِ الْغُرُورِ الْخَاذِلَةِ الْخَادِعَةِ الزَّائِلَةِ الَّتِي قَدْ، وَلَّتْ بِخُدْعَتِهَا، وَفَتَنَتْ بِغُرُورِهَا، وَشَوَّقَتْ بِحُطَامِهَا فَلَمَّا عَرَفَهَا الْعَاقِلُ الْكَيِّسُ حَقَّ مَعْرِفَتِهَا زَهِدَ فِيهَا، وَرَغِبَ فِي دَارِ الْبَقَاءِ، وَالسُّرُورِ، وَتَقَرَّبَ إلَى مَالِكِ الدَّارِ بِجَمِيعِ مَا يُحِبُّ مِمَّا يُطِيقُ التَّقَرُّبَ بِهِ إلَيْهِ، وَرَتَّبَ بِبَابِهِ، وَأَمَّا الْمُغْتَرُّ بِالدُّنْيَا الْمُؤْثِرُ لِهَوَاهُ فِيهَا فَهُوَ مُعْتَنِقُهَا.
أَيُّهَا الْمَيِّتُ عَنْ قَرِيبٍ، وَالْمَبْعُوثُ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَى دَارِ الْمُقَامَةِ الْمَسْئُولُ عَنْ إقْبَالِهِ، وَإِدْبَارِهِ فِي دَارِ الدُّنْيَا الْمَوْقُوفُ عَنْ قَلِيلٍ بَيْنَ يَدَيْ الْمَلِكِ الْجَبَّارِ الَّذِي لَا يَجُورُ هَلْ أَعْدَدْتَ لِذَلِكَ الْمَوْقِفِ حُجَّةً تُدَافِعُ عَنْك أَوْ أَعْدَدْتَ لِلسُّؤَالِ جَوَابًا فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ} [القمر: ٤] {حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ} [القمر: ٥] فَإِيَّاكَ يَا أَخِي، وَالنُّزُولَ بِمَحَلَّةِ الْمَخْدُوعِينَ، وَاعْلَمْ أَنَّ السَّيِّدَ الْكَرِيمَ نِعَمُهُ كَثِيرَةٌ لَا تُحْصَى، وَأَنَّ عَطَايَاهُ كَثِيرَةٌ لَا تُجَازَى، وَأَنَّ مَوَاهِبَهُ كَثِيرَةٌ لَا تُكَافَأُ، وَاعْلَمْ يَا أَخِي أَنِّي لَمْ أَرَ نِعْمَةً مُتَقَدِّمَةً مِنْ اللَّهِ عَزَّ، وَجَلَّ لِخَلْقِهِ أَفْضَلَ مِنْ نِعْمَةِ الْعَقْلِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ دَلَالَةً لِخَلْقِهِ عَلَى مَعْرِفَتِهِ، وَالْوُصُولَ بِهَا إلَى مَحْضِ الْإِيمَانِ بِهِ، وَاَلَّذِي أَطْلَعَهُمْ اللَّهُ بِهِ عَلَى مَكْنُونِ عِلْمِهِ حَتَّى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute