للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرِثُوا الْبَصَائِرَ، وَنَفَوْا بِهِ خَاطَرَ الشَّكِّ، وَكَابَدُوا، وَسَاوِسَ الشَّيْطَانِ، وَمَعَارِيضَ فِتْنَتِهِ، وَاسْتَضَاءُوا بِنُورِ الْعُقُولِ فِي طَرِيقِ حَيْرَتِهِمْ فَتَجَنَّبُوهَا، وَخَرَجُوا مِنْ ظُلْمِ الشَّكِّ، وَاعْتَقَدُوا بِهَا مَعْرِفَةَ اللَّهِ، وَالْإِيمَانَ بِهِ، وَالْإِخْلَاصَ، وَالتَّوْحِيدَ، وَأَفْرَدُوا اللَّهَ جَلَّ جَلَالُهُ، وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ، وَالْعَظَمَةِ، وَالْكِبْرِيَاءِ، وَاعْلَمْ أَنَّ أَهْلَ اللُّبِّ اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى خَلْقِ أَنْفُسِهِمْ، وَعَلَى خَلْقِ الْخَلْقِ كُلِّهِمْ، وَأَنَّهُمْ مَوْسُومُونَ بِسِمَةِ الْفِطْرَةِ، وَآثَارِ الصَّنْعَةِ، وَالنَّقْصِ، وَالزِّيَادَةِ مَعَ تَغْيِيرِ الْأَحْوَالِ فَأَوَّلُ ابْتِدَاءِ اللَّهِ لَهُمْ أَنْ وَهَبَ لَهُمْ الْعُقُولَ الَّتِي بِهَا وَصَلُوا إلَى الْإِيمَانِ، وَبِالْإِيمَانِ وَصَلُوا إلَى نُورِ الْيَقِينِ، وَبِنُورِ الْيَقِينِ وَصَلُوا إلَى خَالِصِ التَّفَكُّرِ، وَبِخَالِصِ التَّفَكُّرِ وَصَلُوا إلَى اسْتِقَامَةِ الْقُلُوبِ، وَبِاسْتِقَامَةِ الْقُلُوبِ وَصَلُوا إلَى الصِّدْقِ فِي الْأَعْمَالِ، وَإِخْلَاصِهَا لِلَّهِ تَعَالَى فَوَرَّثَهُمْ ذَلِكَ الْبَصَائِرَ فِي قُلُوبِهِمْ فَوَضَحَتْ الْحِكْمَةُ فِي صُدُورِهِمْ، وَجَرَتْ يَنَابِيعُهَا عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ فَهَجَمُوا بِفَطِنِ قُلُوبِهِمْ عَلَى غَوَامِضِ الْغُيُوبِ، وَالْإِرَادَةِ، وَالْإِخْلَاصِ الَّذِي رُكِّبَ فِيهِمْ، وَأَدْرَكُوا بِصَفَاءِ يَقِينِهِمْ غَائِصَ الْفَهْمِ، وَأَدْرَكُوا بِغَائِصِ فَهْمِهِمْ الْعِلْمَ الْمَحْجُوبَ فَعَرَفُوا اللَّهَ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ، وَتَوَكَّلُوا عَلَيْهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، وَسَلَّمُوا إلَيْهِ الْخَلْقَ، وَالْأَمْرَ فَصَارَتْ قُلُوبُهُمْ مَعَادِنَ لِصَفَاءِ الْيَقِينِ، وَبُيُوتًا لِلْحِكْمَةِ، وَتَوَابِيتَ لِلْعَظَمَةِ، وَخَزَائِنَ لِلْقُدْرَةِ، وَيَنَابِيعَ لِلْحِكْمَةِ فَهُمْ بَيْنَ الْخَلَائِقِ مُقْبِلُونَ، وَمُدْبِرُونَ، وَقُلُوبُهُمْ تَجُولُ فِي الْمَلَكُوتِ، وَتَتَلَذَّذُ فِي حُجُبِ الْغُيُوبِ، وَتَخْطُرُ فِي طُرُقَاتِ الْجَنَّاتِ فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْعَظِيمُ الَّذِي مَنْ وَالَاهُ نِعَمَهُ أَغْنَاهُ.

وَاعْلَمْ يَا أَخِي أَنَّ مَنْ صَدَقَ اللَّهَ أَوْصَلَهُ إلَى الْجَوَلَانِ فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ بِقَلْبِهِ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَيْهِ بِطَرَفِ مَا قَدْ أَفَادَهُ السَّيِّدُ الْكَرِيمُ فَصَارَ قَلْبُهُ وِعَاءً لِخَيْرٍ لَا يَنْفَدُ، وَعَجَائِبَ فِكْرٍ لَا تَنْقَضِي، وَمَعَادِنَ جَوَاهِرَ لَا تَفْنَى، وَبُحُورِ حِكْمَةٍ لَا تُنْزَحُ أَبَدًا، وَمَعَ ذَلِكَ مَلَكُوا الْجَوَارِحَ، وَالْأَبْدَانَ، وَاعْلَمْ يَا أَخِي أَنَّ فِي ابْنِ آدَمَ مُضْغَةً إنْ صَلُحَتْ صَلُحَ سَائِرُ جَسَدِهِ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَسَدَ سَائِرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>