للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِ وَقَالَ: اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ وَاسْأَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ» ، وَرَوَى رَزِينٌ فِي كِتَابِهِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ بَعْدَ مَا يَفْرُغُ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ: (اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُك نَزَلَ بِك وَأَنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِهِ فَاغْفِرْ لَهُ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ) ، وَقَدْ كَانَ سَيِّدِي أَبُو حَامِدِ بْنُ الْبَقَّالِ وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الْعُلَمَاءِ وَالصُّلَحَاءِ إذَا حَضَرَ جِنَازَةً عَزَّى وَلِيَّهَا بَعْدَ الدَّفْنِ وَانْصَرَفَ مَعَ مَنْ يَنْصَرِفُ فَتَوَارَى هُنَيْهَةً حَتَّى يَنْصَرِفَ النَّاسُ ثُمَّ يَأْتِي إلَى الْقَبْرِ فَيُذَكِّرُ الْمَيِّتَ بِمَا يُجَاوِبُ بِهِ الْمَلَكَيْنِ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -. وَيَكُونُ التَّلْقِينُ بِصَوْتٍ فَوْقَ السِّرِّ وَدُونَ الْجَهْرِ فَيَقُولُ: (يَا فُلَانُ لَا تَنْسَ مَا كُنْت عَلَيْهِ فِي دَارِ الدُّنْيَا مِنْ شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِذَا جَاءَك الْمَلَكَانِ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - وَسَأَلَاك فَقُلْ لَهُمَا: اللَّهُ رَبِّي، وَمُحَمَّدٌ نَبِيِّ، وَالْقُرْآنُ إمَامِي، وَالْكَعْبَةُ قِبْلَتِي) ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ أَوْ نَقَصَ فَخَفِيفٌ، وَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فِي هَذَا الزَّمَانِ مِنْ التَّلْقِينِ بِرَفْعِ الْأَصْوَاتِ وَالزَّعَقَاتِ لِحُضُورِ النَّاسِ قَبْلَ انْصِرَافِهِمْ فَلَيْسَ مِنْ السُّنَّةِ فِي شَيْءٍ بَلْ هُوَ بِدْعَةٌ.

وَكَذَلِكَ مَا يَفْعَلُوهُ بَعْدَ انْصِرَافِ النَّاسِ عَنْهُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فَهُوَ بِدْعَةٌ أَيْضًا. وَقَدْ سَأَلْت سَيِّدِي أَبَا مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقُلْت لَهُ: أَيَنْبَغِي لِلْمُكَلَّفِ أَنْ يَحْفَظَ هَذَا التَّلْقِينَ فِي حَيَاتِهِ حَتَّى يَكُونَ مُتَيَسِّرًا عَلَى لِسَانِهِ إذْ ذَاكَ فَانْزَعَجَ وَقَالَ: أَنْتَ تُجَاوِبُ إنَّمَا يُجَاوِبُ عَمَلُك إنْ كَانَ صَالِحًا فَصَالِحًا، وَإِنْ كَانَ سَيِّئًا فَسَيِّئًا فَحَصِّلْ الْعَمَلَ فَهُوَ يَكْفِيك، فَإِنَّهُ الْعِدَّةُ الَّتِي تَنْجُو بِهَا بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى لَا اللَّقْلَقَةُ بِاللِّسَانِ أَوْ كَمَا قَالَ.

وَقَدْ أَمَرَ الشَّرْعُ بِالتَّعْزِيَةِ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذَا أَصَابَ أَحَدَكُمْ مُصِيبَةٌ فَلْيَذْكُرْ مُصِيبَتَهُ بِي فَإِنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ الْمَصَائِبِ» ، وَهَذَا أَمْرٌ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأُمَّتِهِ وَتَسْلِيَةٌ لَهُمْ، أَمَّا الْأَمْرُ فَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: فَلْيَذْكُرْ مُصِيبَتَهُ بِي، وَأَمَّا التَّسْلِيَةُ فَقَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ الْمَصَائِبِ، فَإِذَا تَذَكَّرَ الْمُؤْمِنُ مَا أُصِيبَ بِهِ مِنْ فَقْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَانَتْ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْمَصَائِبِ وَاضْمَحَلَّتْ، وَلَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>