للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حِينَ اعْتَكَفَ فِي الْمَسْجِدِ أَنَّهُ اتَّخَذَ حُجْرَةً مِنْ حَصِيرٍ، وَالْحَصِيرُ مِمَّا لَا يَتَأَبَّدُ. وَقَدْ نَقَلَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي الْأَحْكَامِ الصُّغْرَى لَهُ قَالَ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَصِيرٌ وَكَانَ يُحَجِّرُهُ مِنْ اللَّيْلِ فَيُصَلِّي فِيهِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ وَيَبْسُطُهُ بِالنَّهَارِ» الْحَدِيثَ.

هَذَا وَهُوَ لِضَرُورَةِ الِاعْتِكَافِ فَمَا بَالُكَ بِهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ شَرْعِيَّةٍ. فَعَلَى هَذَا فَفِعْلُ الْمَقَاصِيرِ وَالدَّرَابْزِينِ مِنْ الْبِدَعِ الْمُحْدَثَةِ، وَقَدْ تَرَتَّبَ بِسَبَبِ ذَلِكَ جُمْلَةُ مَفَاسِدَ.

أَوَّلُهَا: أَنَّ الْمَوْضِعَ وُقِفَ لِلصَّلَاةِ وَمَا فُعِلَ فِيهِ لِغَيْرِهَا فَهُوَ غَصْبٌ لِمَوَاضِعِ صَلَاةِ الْمُسْلِمِينَ.

الثَّانِي: أَنَّ فِيهِ تَقْطِيعَ الصُّفُوفِ وَذَلِكَ خِلَافُ السُّنَّةِ.

الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِقْبَالُ الْخَطِيبِ فِي حَالِ خُطْبَتِهِ وَلَا رُؤْيَتُهُ بِسَبَبِهَا، إذْ أَنَّهَا تَحُولُ بَيْنَ الْمَأْمُومِ وَالْإِمَامِ. وَقَدْ وَرَدَ «إذَا قَامَ الْإِمَامُ يَخْطُبُ فَاسْتَقْبِلُوهُ بِوُجُوهِكُمْ وَارْمُقُوهُ بِأَعْيُنِكُمْ» مَعَ وُجُودِ هَذِهِ الْمَقَاصِيرِ وَالدَّرَابْزِينِ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ، فَكَانَتْ سَبَبًا لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ.

الرَّابِعُ: أَنَّ فِعْلَهَا فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَى إلَى أَمْرٍ مُسْتَهْجَنٍ وَهُوَ أَنَّ مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ يَجِدُ السَّبِيلَ إلَى الْوُصُولِ إلَى أَغْرَاضِهِ الْخَسِيسَةِ بِارْتِكَابِ مُحَرَّمٍ أَوْ مَكْرُوهٍ لِكَوْنِهِ يَتَوَارَى فِيهَا عَنْ أَعْيُنِ النَّاظِرِينَ.

الْخَامِسُ: أَنَّهُ قَدْ يَنَامُ فِيهَا بَعْضُ الْغُرَبَاءِ لِلضَّرُورَةِ، فَيَجِدُ اللِّصُّ السَّبِيلَ إلَى أَخْذِ مَتَاعِهِ إذْ أَنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ مَنْ يَنْظُرُ إلَيْهِ بِسَبَبِهَا، وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ كَثِيرًا.

السَّادِسُ: أَنَّهُ قَدْ يَجِدُ بَعْضُ النَّاسِ السَّبِيلَ إلَى أَنْ يَبُولَ فِي الْمَسْجِدِ بِسَبَبِهَا، إذْ أَنَّهُ يَسْتَتِرُ بِهَا فَلَا يُرَدُّ إذْ ذَاكَ سِيَّمَا الصِّبْيَانُ الصِّغَارَ الَّذِينَ لَا يَنْضَبِطُ حَالُهُمْ فِي الْغَالِبِ.

السَّابِعُ: مَا فِي ذَلِكَ مِنْ مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ.

الثَّامِنُ: أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ زَخْرَفَةِ الْمَسَاجِدِ وَذَلِكَ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ.

التَّاسِعُ: قَدْ يَجِيءُ أَعْمَى لَا يَهْتَدِي بِتِلْكَ الْأَبْوَابِ الضَّيِّقَةِ الَّتِي فِي الدَّرَابْزِينِ فَكَانَتْ سَبَبًا لِإِدْخَالِ الضَّرَرِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ.

وَكَانَ سَبَبُ اتِّخَاذِهَا أَنَّ الْخِلَافَةَ لَمَّا رَجَعَتْ مُلْكًا وَتَخَوَّفَ الْمُلُوكُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنْ الْقَتْلِ عَمِلُوا هَذِهِ الْمَقَاصِيرَ لِيَتَحَصَّنُوا بِهَا مِمَّنْ يَثِبُ إلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>