كُلِّهِ. ثُمَّ إذَا شَمَّرَ أَكْمَامَهُ يَشُدُّ وَسَطَهُ بِشَيْءٍ وَيَأْخُذُ الْعُكَّازَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى، وَالْإِبْرِيقَ بِيَدِهِ الْيُسْرَى وَيَجْعَلُ السَّجَّادَةَ عَلَى كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ مَطْوِيَّةً وَهَذَا فِيهِ مَا فِيهِ؛ لِأَنَّ اتِّخَاذَ السَّجَّادَةِ مِنْ الْبِدَعِ الَّتِي أُحْدِثَتْ فَكَيْفَ يَتَّخِذُهَا الْفَقِيرُ، وَقَدْ كَانَ كَثِيرٌ مِنْ السَّلَفِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - لَا يَحُولُ بَيْنَ وُجُوهِهِمْ وَبَيْنَ الْأَرْضِ حَائِلٌ لَا حَصِيرٌ وَلَا غَيْرُهُ وَمَا ذَاكَ إلَّا لِاتِّبَاعِ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. أَلَا تَرَى أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا شَكَوْا إلَيْهِ مَا يَجِدُونَهُ مِنْ أَلَمِ السُّجُودِ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يُشْكِهِمْ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُزِلْ شَكْوَاهُمْ. أَلَا تَرَى إلَى مَا وَرَدَ: «مَسْحُ الْحَصْبَاءِ مَسْحَةً وَاحِدَةً وَتَرْكُهَا خَيْرٌ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ» وَلَا يَرِدْ عَلَى هَذَا حَدِيثُ الْخُمْرَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى شِدَّةِ الْأَلَمِ الَّذِي يُوجَدُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِخِلَافِ الْأَلَمِ الَّذِي تَحْمِلُهُ الْبَشَرَةُ فَلَا يُرَخَّصُ فِيهِ. وَالْخُمْرَةُ هِيَ شَيْءٌ مَضْفُورٌ مِنْ الْخُوصِ قَدْرُ مَا يَضَعُ الْمُصَلِّي عَلَيْهِ الْوَجْهَ وَالْيَدَيْنِ إذَا سَجَدَ، وَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَسْجُدُ وَلَا يَحُولُ بَيْنَ وَجْهِهِ وَبَيْنَ الْأَرْضِ شَيْءٌ لِاتِّبَاعِهِ السُّنَّةَ وَتَوَاضُعِهِ.
وَهَذِهِ الطَّائِفَةُ أَوْلَى النَّاسِ بِالِاتِّبَاعِ وَالتَّوَاضُعِ، وَهُوَ الْآنَ دَاخِلٌ إلَى الرِّبَاطِ، وَهُوَ مَوْضِعٌ طَاهِرٌ لَا يَدْخُلُهُ فِي الْغَالِبِ إلَّا مَنْ هُوَ مُتَحَفِّظٌ عَلَى دِينِهِ فَلَا حَاجَةَ تَدْعُو إلَى السَّجَّادَةِ، وَإِنَّمَا هِيَ عَوَائِدُ اُنْتُحِلَتْ وَوَقَعَ الِاسْتِئْنَاسُ بِهَا، وَالْعَوَائِدُ كُلُّهَا مَطْرُوحَةٌ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ هِيَ الْحَاكِمَةُ عَلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ فَضْلًا عَنْ الْمُرِيدِ. ثُمَّ يَأْمُرُونَهُ إذَا دَخَلَ الرِّبَاطَ أَنْ لَا يُسَلِّمَ عَلَى أَحَدٍ وَلَا يُسَلِّمَ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَاعْتَلُّوا لِذَلِكَ بِأَنَّ الْمُرِيدَ لَا يَذْكُرُ اللَّهَ - تَعَالَى - إلَّا وَهُوَ عَلَى وُضُوءٍ وَالسَّلَامُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ - تَعَالَى - فَإِذَا سَلَّمَ عَلَى أَحَدٍ، أَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَقَدْ يَكُونُ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَيَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ، أَوْ يَتْرُكُ رَدَّ السَّلَامِ، وَهُوَ وَاجِبٌ فَأَمَرُوهُ بِتَرْكِ السَّلَامِ لِأَجْلِ هَذَا وَهَذَا أَيْضًا مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ إذْ إنَّ السُّنَّةَ مَضَتْ عَلَى أَنَّ الْمُكَلَّفَ يُسَلِّمُ عَلَى مَنْ عَرَفَ، وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ فَكَيْفَ بِإِخْوَانِهِ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ ذِكْرِ تَعْلِيلِهِمْ لِذَلِكَ فَلَيْسَ بِالْبَيِّنِ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute