للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ إلَّا فِي حَالِ مَوْضِعِ الْخَلَاءِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - هُنَاكَ عِنْدَ الِارْتِيَاعِ وَمَا يُشْبِهُهُ وَلَيْسَ بِمَكْرُوهٍ وَالسُّنَّةُ عِنْدَ لِقَاءِ الْمُؤْمِنِ لِأَخِيهِ السَّلَامُ لَا بَعْدَ جُلُوسِهِ وَاسْتِئْنَاسِهِ.

ثُمَّ يَأْمُرُونَهُ عِنْدَ إرَادَةِ دُخُولِهِ الرِّبَاطَ أَنْ يَقْعُدَ عِنْدَ الْبَابِ، ثُمَّ يَخْرُجُ إلَيْهِ مَنْ فِي الرِّبَاطِ مِنْ الشُّبَّانِ أَوْ بَعْضُهُمْ فَيُؤْذُونَهُ بِالشَّتْمِ وَيُقِلُّونَ الْأَدَبَ عَلَيْهِ وَيَخْرِقُونَ حُرْمَتَهُ وَيَكْسِرُونَ الْإِبْرِيقَ الَّذِي مَعَهُ وَيَفْعَلُونَ ذَلِكَ بِهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى حَتَّى يَيْأَسُوا مِنْ غَضَبِهِ وَيُعَلِّلُونَ فِعْلَهُمْ ذَلِكَ بِأَنْ يَقِفُوا عَلَى حُسْنِ خُلُقِهِ وَحَمْلِهِ لِلْأَذَى إذْ إنَّ هَذِهِ الطَّائِفَةَ لَا تَنْتَصِرُ لِنَفْسِهَا وَهُمْ أَشَدُّ النَّاسِ كَظْمًا لِلْغَيْظِ وَعَفْوًا عَنْ النَّاسِ وَهَذَا التَّعْلِيلُ لَيْسَ بِالْبَيِّنِ؛ لِأَنَّ الْوَارِدَ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ إذَا انْزَعَجَ لِذَلِكَ وَغَضِبَ لَا يُدْخِلُونَهُ الرِّبَاطَ فَإِنَّهُ يَصِيرُ إذْ ذَاكَ عَلَى أَذِيَّتِهِمْ لِأَجْلِ مَا يَرْجُو مِنْ حَاجَتِهِ، وَإِنْ كَانَ سَيِّئَ الْخُلُقِ مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ فَإِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ ضِدَّهُ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ، وَالْحَالَةِ هَذِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ إلَيْهِ الْخَادِمُ فَيَأْخُذُ السَّجَّادَةَ عَنْ كَتِفِهِ، وَهُوَ سَاكِتٌ لَا يُسَلِّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخِرِ وَيَدْخُل الْخَادِمُ وَالْوَارِدُ يَتْبَعُهُ حَتَّى إذَا حَصَلَ فِي وَسَطِ الرِّبَاطِ وَقَفَ الْوَارِدُ يَنْظُرُ أَيْنَ يَفْرِشُ الْخَادِمُ السَّجَّادَةَ فَيَعْرِفُ مَوْضِعَهَا وَهَذَا فِيهِ مَا فِيهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَعْنَى فِي السَّلَامِ عِنْدَ اللِّقَاءِ إنَّمَا هُوَ التَّأْنِيسُ بِالْبَشَاشَةِ وَمَا شَابَهَهَا مِنْ الْإِكْرَامِ لِلضَّيْفِ وَالتَّوَدُّدِ نَقِيضُ مَا عَامَلُوهُ بِهِ وَأَمَّا كَسْرُ الْإِبْرِيقِ فَلَا خَفَاءَ أَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ وَكَذَلِكَ شَتْمُهُ فَوَضَعُوا الشَّتْمَ وَخَرْقَ الْحُرْمَةِ وَإِضَاعَةَ الْمَالِ مَوْضِعَ الْإِكْرَامِ وَالِاحْتِرَامِ وَالضِّيَافَةِ، ثُمَّ سَرَى هَذَا الْأَمْرُ إلَى عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ إذْ إنَّ هَذِهِ الطَّائِفَةَ قُلُوبُ النَّاسِ بِهِمْ مُتَعَلِّقَةٌ لِحُسْنِ ظَنِّهِمْ بِهِمْ وَلِكَوْنِهِمْ مَنْسُوبِينَ إلَى اتِّبَاعِ السُّنَّةِ وَالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا وَتَرْكِهَا، وَالْإِقْبَالِ عَلَى الْعِبَادَةِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ وَيَرَوْنَ أَنَّهُمْ مَحْفُوظُونَ لَا يُخَالِفُونَ وَلَا يَبْتَدِعُونَ فَإِذَا صَدْرَ مِنْهُمْ شَيْءٌ مِنْ هَذَا اقْتَدَى بِهِمْ غَيْرُهُمْ فِي فِعْلِهِ فَتَجِدُ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ فِي هَذَا الزَّمَانِ يَقْعُدُ الرَّجُلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>