للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَنْعَمَ عَلَيْهِمْ وَقَرَّبَهُمْ وَاجْتَبَاهُمْ وَحَمَاهُمْ وَتَجَلَّى لَهُمْ بِصِفَاتِهِ الْجَلِيلَةِ الْجَمِيلَةِ أَسْأَلُ اللَّهَ - تَعَالَى - أَنْ لَا يَحْرِمَنَا ذَلِكَ بِمُحَمَّدٍ وَآلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ، وَالْقَادِرُ عَلَيْهِ.

وَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ أَنَّ الْمُرِيدَ يَقْتَصِرُ عَلَى الْأَعْمَالِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا إنَّمَا ذَلِكَ فِي حَالِ بِدَايَتِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُ نَفْسَهُ بِالتَّدْرِيجِ وَالتَّرَقِّي فِي الزِّيَادَةِ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى يَسْتَغْرِقَ، أَوْقَاتَهُ فِي أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ، وَهُوَ لَمْ يَجِدْ لِذَلِكَ مَشَقَّةً وَلَا تَعَبًا فِي الْغَالِبِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ لَكِنَّ الْمُرِيدَ فِي بِدَايَةِ أَمْرِهِ يَمْشِي عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ أَوْرَادِ الْمُتَعَلِّمِ وَأَمَّا نِهَايَتُهُ فَلَا حَدَّ لَهَا؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: أَكْلُهُمْ أَكْلُ الْمَرْضَى وَنَوْمُهُمْ نَوْمُ الْغَرْقَى وَكَلَامُهُمْ ضَرُورَةٌ فَلَا يَنَامُ الْمُرِيدُ إلَّا غَلَبَةً، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ حِكَايَةُ بَعْضِهِمْ فِي السَّنَةِ الَّتِي أَخَذَتْهُ، وَهُوَ جَالِسٌ فِي مُصَلَّاهُ حِينَ صَلَّى رَكْعَتَيْ الْإِشْرَاقِ فَعَرَكَ عَيْنَيْهِ، وَقَالَ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ عَيْنٍ لَا تَشْبَعُ مِنْ النَّوْمِ.

وَمِنْ كَانَ نَوْمُهُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَهَيَّأَ لِحَالَةِ النَّوْمِ وَلَا لِلْأَذْكَارِ الْمَذْكُورَةِ عِنْدَهُ إذْ حَالُ الْمُرِيدِ لَا يَنْضَبِطُ بِقَانُونٍ مَعْلُومٍ لِكَثْرَةِ اجْتِهَادِهِ وَتَحْصِيلِهِ وَأَحْوَالُهُمْ فِي أَعْمَالِهِمْ قَلَّ أَنْ تَنْحَصِرَ. لَكِنْ يُحَافَظُ عَلَى السُّنَّةِ وَيَشُدُّ يَدَهُ عَلَيْهَا، وَقَدْ كَانَ سَيِّدِي أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُعْجِبُهُ مَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ كَانَ إذَا جَاءَ إلَى فِرَاشِهِ دَخَلَ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الْأَيْسَرِ، ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الْأَيْمَنِ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّ خَوْفَ نَارِكَ مَنَعَنِي الْكَرَى فَيَقُومُ حَتَّى يُصْبِحَ فَكَانَ يُعْجِبُهُ مِنْهُ مُحَافَظَتُهُ عَلَى السُّنَّةِ حَتَّى فِي الْفِرَاشِ، وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ النَّوْمُ فَإِذَا كَانَ الْمُرِيدُ عَلَى هَذَا الْحَالِ أَعْنِي مُحَافَظَتَهُ عَلَى السُّنَّةِ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ فَهُوَ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ لَا يَفُوقُهُ غَيْرُهُ نَسْأَلُ اللَّهَ - تَعَالَى - أَنْ لَا يَحْرِمَنَا ذَلِكَ بِمَنِّهِ إنَّهُ الْكَرِيمُ الْوَهَّابُ بِمُحَمَّدٍ وَآلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>