للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ)

وَلْيَحْذَرْ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ أَنَّهُمْ يَتَعَامَلُونَ بِالْفِضَّةِ فِي بَلَدٍ فَيَبْقَى لِبَعْضِهِمْ عِنْدَ بَعْضٍ شَيْءٌ فَيَقْبِضُ ذَلِكَ مِنْهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ وَالسِّكَّةُ مُخْتَلِفَةٌ وَذَلِكَ رِبًا؛ لِأَنَّ الْأَقَالِيمَ وَالْبِلَادَ تَخْتَلِفُ فِي ضَرْبِ السِّكَّةِ وَفِي الْغِشِّ بِالنُّحَاسِ وَعَدَمِ الْغِشِّ بِهِ فَتُوجَدُ هَذِهِ السِّكَّةُ فِي بَلَدٍ دُونَ أُخْرَى وَإِنْ وُجِدَتْ فَتُؤْخَذُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ. أَلَا تَرَى أَنَّ دَرَاهِمَ الْمَغْرِبِ لَيْسَتْ كَدَرَاهِمِ إفْرِيقِيَّةَ وَلَيْسَتْ دَرَاهِمُ إفْرِيقِيَّةَ كَدَرَاهِمِ الْإِسْكَنْدَرِيَّة وَلَيْسَتْ دَرَاهِمُ الْإِسْكَنْدَرِيَّة كَدَرَاهِم الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ اخْتِلَافِ الْبِلَادِ وَالْأَقَالِيمِ وَسِكَكِهَا فَإِذَا بَقِيَ لِبَعْضِهِمْ عِنْدَ بَعْضٍ شَيْءٌ فَيَقْبِضُهُ فِي مَوْضِعٍ وَلَيْسَتْ تِلْكَ الْفِضَّةُ بِعَيْنِهَا بَلْ غَيْرُهَا فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ التَّفَاضُلُ وَالْجَهَالَةُ وَالْوُقُوعُ فِي الرِّبَا الْمَنْصُوصُ عَلَى تَحْرِيمِهِ مِنْ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ وَأَمَرَنَا أَنْ نَشْتَرِيَ الْفِضَّةَ بِالذَّهَبِ كَيْفَ شِئْنَا وَنَشْتَرِيَ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ كَيْفَ شِئْنَا» . وَلَا يَدْخُلُ هَاهُنَا مَا قَالَهُ عُلَمَاؤُنَا - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - مِنْ جَوَازِ صَرْفِ مَا فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ صَرْفَ مَا فِي الذِّمَّةِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ مِثْلَ الذَّهَبِ مَعَ الْفِضَّةِ، وَأَمَّا صَرْفُ الشَّيْءِ بِجِنْسِهِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا مَعَ حُضُورِهِمَا أَعْنِي الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ بِشَرْطِ اتِّفَاقِ السِّكَّتَيْنِ.

وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ يُعْطَى مَنْ بَقِيَتْ لَهُ دَرَاهِمُ فِي ذِمَّةِ الْآخَرِ بِأَنْ يَأْخُذَ عَنْهَا ذَهَبًا بِقَدْرِ مَا يُسَاوِي الذَّهَبَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أَخَذَ مِنْهُ الْفِضَّةَ فِيهِ ثُمَّ يَصْرِفُ الذَّهَبَ لِنَفْسِهِ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي هُوَ فِيهِ أَوْ فِي غَيْرِهِ إنْ شَاءَ فَهَذَا هُوَ الطَّرِيقُ الْمُخَلِّصُ مِنْ الرِّبَا وَغَيْرِهِ بِمَا لَا شَكَّ فِيهِ إذْ إنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ التَّفَاضُلِ فِيهِ وَهُوَ مُحَرَّمٌ إذْ الْمُمَاثَلَةُ لَا تُمْكِنُ مَعَ ذَلِكَ فَلْيَحْذَرْ مِنْ هَذَا جَهْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمُخَالَفَاتِ أَعْظَمُ مِنْ الْوُقُوعِ فِي الرِّبَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ تَوَعَّدَ فَاعِلَهُ بِالْحَرْبِ مِنْهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَمِنْ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلْيَحْذَرْ مِنْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>