وَالْمُنْقَطِعِينَ قُوتُهُمْ مِنْ تَسَبُّبِهِ فَأَرْسَلَ إلَيْهِ وَكِيلُهُ مِنْ بِلَادِ السُّوسِ يُخْبِرُهُ أَنَّ الْحَرِيرَ قَدْ طُلِبَ فِيهَا فَإِنْ كَانَ عِنْدَك شَيْءٌ فَابْعَثْ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَك شَيْءٌ فَاشْتَرِ وَابْعَثْ فَلَمَّا أَنْ بَلَغَهُ الْكِتَابُ اشْتَرَى حَرِيرًا بِخَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ فَلَمَّا أَنْ كَانَ فِي اللَّيْلِ تَفَكَّرَ فِي نَفْسِهِ وَقَالَ: ابْتَعْت الْحَرِيرَ مِنْ صَاحِبِهِ وَلَمْ أُعَرِّفْهُ أَنَّهُ قَدْ طُلِبَ بِبِلَادِ السُّوسِ وَلَعَلَّهُ لَوْ عَرَفَ مَا بَاعَ لِي فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى النَّوْمِ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَفْجَأَهُ الْمَوْتُ قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ لِصَاحِبِ الْحَرِيرِ ذَلِكَ فَلَمَّا أَنْ أَصْبَحَ مَضَى إلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: أَبَلَغَكَ أَنَّ الْحَرِيرَ قَدْ طُلِبَ بِبِلَادِ السُّوسِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ لَهُ: بَلَى قَدْ كَتَبَ إلَيَّ وَكِيلِي بِذَلِكَ أَفَتَرَى الْآنَ تَبِيعُهُ لِي؟ قَالَ: لَا؛ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ، فَمَا كَانَ إلَّا أَيَّامًا يَسِيرَةً وَبَاعَهُ بِضِعْفِ ذَلِكَ الثَّمَنِ وَعَلَى هَذَا الْحَالِ كَانَ تَسَبُّبُهُ وَمَعَ ذَلِكَ كَانَ يَقُولُ: وَاَللَّهِ مَا أَعْلَمُ الْيَوْمَ فِي مَالِي دِرْهَمًا وَاحِدًا حَلَالًا.
هَذَا حَالُ الْقَوْمِ عَكْسُ مَا عَلَيْهِ الْحَالُ الْيَوْمَ تَجِدُ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ مَغْمُوسًا فِي الْأَسْبَابِ الْمُحَرَّمَةِ أَوْ الْمَكْرُوهَةِ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَحْلِفُ أَنَّ مَا فِي مَالِهِ دِرْهَمًا وَاحِدًا حَرَامًا فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ عَلَى انْعِكَاسِ الْحَقَائِقِ وَتَزْكِيَةِ النُّفُوسِ وَزَهْوِهَا بِالْبَاطِلِ الَّذِي يَمْحَقُ الْبَرَكَاتِ وَيَأْتِي بِالسَّيِّئَاتِ أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ بِمَنِّهِ
(فَصْلٌ)
وَيَنْبَغِي أَنْ يَغْتَنِمَ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ الَّتِي يَقْعُدُ فِيهَا فِي الْبِلَادِ لِأَجْلِ بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ مُجَالَسَةَ عُلَمَاءِ الْوَقْتِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَالصَّالِحِينَ مِنْهُمْ الْمُنْقَطِعِينَ إلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ؛ لِأَنَّ الِاجْتِمَاعَ بِهَؤُلَاءِ هِيَ التِّجَارَةُ الْحَقِيقِيَّةُ الَّتِي لَا يَفْنَى رِبْحُهَا بَلْ يَبْقَى ذَلِكَ مُتَجَدِّدًا طُولَ عُمْرِهِ وَقَدْ يَكُونُ فِيهِمْ مَنْ مِثْلُهُ مَعْدُومٌ فِي أُفُقِهِ أَوْ بَلَدِهِ إذْ إنَّ خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَبَرَكَتَهَا عَامٌّ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ لَكِنْ قَدْ يُوجَدُونَ فِي إقْلِيمٍ دُونَ آخَرَ وَقَدْ يَقِلُّونَ فَيَحْتَاجُ عَلَى هَذَا أَنْ يَغْتَنِمَ التَّبَرُّكَ بِهِمْ فِي كُلِّ بَلَدٍ دَخَلَهَا لِتَحْصُلَ لَهُ بَرَكَتُهُمْ عَلَى يَقِينٍ وَيَحْتَاجُ مَعَ ذَلِكَ إلَى الْإِغْضَاءِ عَمَّا يَصْدُرُ مِنْ بَعْضِهِمْ وَيُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى أَحْسَنِ حَالٍ فِي التَّأْوِيلِ لَهُمْ فَهُوَ الْمُخْلِصُ لِاعْتِقَادِهِ حَتَّى لَا يَشُوبَهُ شَيْءٌ غَيْرُ مَا هُوَ قَاصِدُهُ لَكِنْ ذَلِكَ بِشَرْطٍ يُشْتَرَطُ فِيهِ وَهُوَ أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute