للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي ذَلِكَ مُحْتَمِلَةٌ لِلْوَجْهَيْنِ وَجَاءَ فِعْلُ السَّلَفِ بِأَحَدِهِمَا فَلَا شَكَّ أَنَّهُ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ.

أَمَّا مَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا سَلَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ يَقُولُ بِصَوْتِهِ الْأَعْلَى لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الْفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ الْجَمِيلُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ» .

وَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ «رَفْعَ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ حِينَ يَنْصَرِفُ النَّاسُ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأُمِّ حَيْثُ قَالَ وَاخْتَارَ لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ أَنْ يَذْكُرَا اللَّهَ بَعْدَ الِانْصِرَافِ مِنْ الصَّلَاةِ وَيُخْفِيَا الذِّكْرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ إمَامًا يَجِبُ أَنْ يُتَعَلَّمَ مِنْهُ فَيَجْهَرُ حَتَّى يَرَى أَنَّهُ قَدْ تُعُلِّمَ مِنْهُ ثُمَّ يُسِرُّ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: ١١٠] يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالدُّعَاءِ لَا تَجْهَرْ تَرْفَعْ وَلَا تُخَافِتْ حَتَّى لَا تُسْمِعَ نَفْسَك وَأَحْسَبُ مَا رَوَى ابْنُ الزُّبَيْرِ مِنْ تَهْلِيلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ تَكْبِيرِهِ كَمَا رَوَيْنَاهُ إنَّمَا جَهَرَ قَلِيلًا لِيَتَعَلَّمَ النَّاسُ مِنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّ عَامَّةَ الرِّوَايَاتِ الَّتِي كَتَبْنَاهَا مَعَ هَذَا وَغَيْرِهَا لَيْسَ يُذْكَرُ فِيهَا بَعْدَ التَّسْلِيمِ تَهْلِيلٌ وَلَا تَكْبِيرٌ، وَقَدْ يُذْكَرُ أَنَّهُ ذَكَرَ بَعْدَ الصَّلَاةِ بِمَا وَصَفْت وَيُذْكَرُ انْصِرَافُهُ بِلَا ذِكْرٍ، وَقَدْ ذَكَرَتْ أُمُّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مُكْثَهُ وَلَمْ تَذْكُرْ جَهْرًا وَأَحْسَبُ أَنَّهُ لَمْ يَمْكُثْ إلَّا لِيَذْكُرَ ذِكْرًا غَيْرَ جَهْرٍ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ وَمَا مِثْلُ ذَا قُلْت مِثْلُ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى الْمِنْبَرِ يَكُونُ قِيَامُهُ وَرُكُوعُهُ عَلَيْهِ وَيُقَهْقِرُ حَتَّى يَسْجُدَ عَلَى الْأَرْضِ وَأَكْثَرُ عُمْرِهِ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ وَلَكِنَّهُ مِمَّا رَأَى أَحَبَّ أَنْ يُعَلِّمَ مَنْ لَمْ يَكُنْ يَرَاهُ مِمَّنْ بَعُدَ عَنْهُ كَيْفَ الْقِيَامُ وَالرُّكُوعُ وَالرَّفْعُ يُعَلِّمُهُمْ أَنَّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ سَعَةً انْتَهَى كَلَامُهُ بِلَفْظِهِ.

فَهَذَا الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَمَلَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>