أَكْلِهِ.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ وَهُوَ مَا إذَا أَخْرَجَهُ وَفِيهِ بَعْضُ عُجُونَةٌ فَإِنَّهُ أَيْضًا يَضُرُّ بِالْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ مَنْ أَكَلَهُ يَتَوَلَّدُ فِي بَطْنِهِ دُودٌ لِعُفُونَتِهِ فَيَتَوَلَّدُ مِنْهَا أَمْرَاضٌ فَيَحْتَاجُ إلَى الْأَدْوِيَةِ وَالطَّبِيبِ كَمَا تَقَدَّمَ قَبْلُ. وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يَغْرَمَ لِصَاحِبِ الْخُبْزِ خُبْزَهُ إذَا أَصَابَهُ أَحَدُ الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ فَيَرُدُّهُ إلَى الْفُرْنِ قَلِيلًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْطِي الْأُجْرَةَ لِلصَّانِعِ إلَّا أَنْ يُحْكِمَ صَنْعَتَهُ. وَيَنْبَغِي لِصَاحِبِ الْخُبْزِ إذَا وَقَعَ لَهُ فِي خُبْزِهِ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ وَكَانَ ذَلِكَ نَادِرًا أَنْ يُسَامِحَ الصَّانِعَ فِي ذَلِكَ، وَلَا يُغَرِّمَهُ لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ ذَلِكَ شَأْنُهُ فَلَهُ اتِّسَاعٌ فِي تَغْرِيمِهِ وَتَرْكِهِ فَلَوْ أَرَادَ صَاحِبُ الْخُبْزِ الْمُحْتَرِقِ أَنْ يَأْخُذَهُ وَيَأْخُذَ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَئِذٍ إنْ لَوْ كَانَ سَالِمًا مِنْ حَرْقِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ فَلَوْ أَرَادَ الْفَرَّانُ أَنْ يُعْطِيَهُ قِيمَةَ الْخُبْزِ وَيَأْخُذَهُ لِنَفْسِهِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَغْرَاضَ النَّاسِ تَخْتَلِفُ فِي تَحْصِيلِ أَقْوَاتِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلْيَحْذَرْ أَنْ يَخْتَلِطَ خُبْزُ النَّاسِ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ
(فَصْلٌ) وَيَنْبَغِي لِلْمُكَلَّفِ فِي هَذَا الزَّمَانِ مَهْمَا أَمْكَنَهُ أَنْ لَا يَخْبِزَ إلَّا فِي فُرْنِ خُبْزِ الْعَلَّامَةِ فَلْيَفْعَلْ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّهُمْ لَا يُحْمُونَ الْفُرْنَ إلَّا بِالْأَشْيَاءِ الطَّاهِرَةِ بِخِلَافِ الْفُرْنِ الَّذِي يُخْبَزُ فِيهِ خُبْزُ الْبَيْتِ ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَأْكُلَ إلَّا لُبَابَ الرَّغِيفِ مَهْمَا أَمْكَنَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا فِي يَدِ الْفَرَّانِ حِينَ يَرْمِيهِ فِي الْفُرْنِ إذْ إنَّ الْغَالِبَ مِنْ كَثِيرٍ مِنْهُمْ عَدَمُ الِاحْتِرَازِ.
وَالْعَجَبُ مِنْهُمْ كَيْفَ يَخْبِزُونَ بِالْأَشْيَاءِ النَّجِسَةِ وَهِيَ لَا يَجُوزُ شِرَاؤُهَا، وَلَا بَيْعُهَا وَالْغَالِبُ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ لَا يَأْخُذُونَهَا إلَّا بِالْعِوَضِ لِأَجْلِ أَنَّ عِوَضَهَا عِنْدَهُمْ يَسِيرٌ بِالنِّسْبَةِ لِثَمَنِ الطَّاهِرَاتِ
وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَفْسَدَةِ الَّتِي ارْتَكَبَهَا بَعْضُهُمْ حُبُّ الدُّنْيَا، إذْ إنَّهُمْ بِحُبِّهَا شَحُّوا بِثَمَنِ مَا يُوقِدُونَهُ مِنْ الْأَشْيَاءِ الطَّاهِرَةِ وَلِأَجْلِ هَذَا الْمَعْنَى وَمَا نَحَا نَحْوَهُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «حُبُّ الدُّنْيَا رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ»
ثُمَّ الْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِمَّنْ يَرَى مَا يَفْعَلُونَهُ أَوْ يَسْمَعُ بِهِ مَنْ هُوَ ثِقَةٌ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى التَّغْيِيرِ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَفْعَلْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute