فَمَا بَالُك بِمَا يُطْبَخُ فِي السُّوقِ وَالنَّاسُ يَرَوْنَهُ وَيَشُمُّونَ رَائِحَتَهُ فَالْغَالِبُ أَنَّ صَاحِبَهُ لَا يَأْكُلُهُ إلَّا بَعْدَ أَنْ يُدْخِلَ التَّشْوِيشَ عَلَى مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ.
وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا ضَرَرَ، وَلَا ضِرَارَ» سِيَّمَا إنْ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ وَمَعَهُمَا صَغِيرٌ أَوْ صِغَارٌ، وَلَا قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَى تَحْصِيلِ مِثْلِ ذَلِكَ الطَّعَامِ.
وَقَدْ أَمَرَ الشَّارِعُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ بِأَنْ يُكْثِرَ الْمَرْءُ الْمَرَقَةَ فِي طَعَامِهِ لِيُعْطِيَ الْجِيرَانَ مِنْهَا. فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي لِمَنْ احْتَاجَ إلَى الطَّبْخِ عِنْدَ الشَّرَائِحِيِّ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ الْمَرَقَةِ وَيُكْثِرَ مِنْ الْإِعْطَاءِ لِمَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ وَهَذَا أَمْرٌ عَسِرٌ لَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ فِي الْغَالِبِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيَنْبَغِي لَهُ أَوْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يَطْبُخَ فِي بَيْتِهِ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ بِرَائِحَةِ الْقِدْرِ فِي الْبَيْتِ أَقَلُّ مِنْهُ فِي السُّوقِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يُطْعِمَ الْجِيرَانَ مِنْهَا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِذَلِكَ، وَقَدْ بَيَّنَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْعِلَّةَ فِي إطْعَامِ الْجَارِ وَهِيَ أَنْ لَا يُؤْذِيَ جَارَهُ بِرَائِحَةِ قِدْرِهِ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ أَوْجَدُ فِيمَا طُبِخَ فِي السُّوقِ وَالْمُكَلَّفُ عَاجِزٌ عَنْ أَنْ يَعُمَّ كُلَّ مَنْ يَتَشَرَّفُ إلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ الْجِيرَانِ. وَهَذَا بَيِّنٌ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ
(فَصْلٌ) وَيُشْتَرَطُ فِي الصَّبِيِّ الَّذِي يَكُونُ عِنْدَ الشَّرَائِحِيِّ مَا اُشْتُرِطَ فِي صَبِيِّ صَاحِبِ الطَّاحُونِ وَفِي السَّقَّاءِ وَصَبِيِّهِ.
وَيَنْبَغِي لِصَاحِبِ الطَّعَامِ إذَا أَتَى لَهُ بِهِ أَنْ يُطْعِمَ مِنْهُ حَامِلَهُ شَيْئًا وَإِنْ قَلَّ. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي جَمِيعِ مَنْ يُبَاشِرُهُ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ جَارِيَةٍ أَوْ عَبْدٍ وَمَنْ أَشْبَهَهُمْ؛ لِمَا وَرَدَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إذَا أَتَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ فَلْيُنَاوِلْهُ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ أَوْ أُكْلَةً أَوْ أُكْلَتَيْنِ فَإِنَّهُ وَلِيَ عِلَاجَهُ» وَيَنْبَغِي لِلشَّرَائِحِيِّ إذَا أَرْسَلَ الْقِدْرَ مَعَ صَبِيِّهِ إلَى صَاحِبِ الطَّعَامِ أَنْ يُغَطِّيَهَا؛ لِأَنَّ بِتَغْطِيَتِهَا تَقِلُّ أَذِيَّةُ النَّاسِ بِرَائِحَتِهَا وَمِنْ ذَلِكَ يَمْتَنِعُ النَّظَرُ لِمَا فِيهَا فَتَكُونُ التَّغْطِيَةُ مُتَعَيِّنَةً لِمَا ذُكِرَ وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الطَّعَامِ هُوَ الْحَامِلُ لَهَا فَهُوَ مَأْمُورٌ أَيْضًا بِتَغْطِيَتِهَا لَكِنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَرْقٌ وَهُوَ أَنَّ صَاحِبَ الطَّعَامِ مَأْمُورٌ بِأَنْ يُطْعِمَ مِنْهُ وَقَدْ يَجِبُ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute