الْبُنْيَانِ حَتَّى لَا يَخْتَلَّ.
وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطْلُبَ مِنْ الْمُؤْنَةِ أَكْثَرَ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إضْرَارٌ بِصَاحِبِ الْبِنَاءِ. وَكَثِيرٌ مِنْ الْبَنَّائِينَ مَنْ يَرْتَكِبُ هَذَا وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا ضَرَرَ، وَلَا ضِرَارَ» وَمِنْ التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَلْعُونٌ مَنْ ضَارَّ مُؤْمِنًا أَوْ مَكَرَ بِهِ» وَمِنْهُ أَيْضًا بِإِسْنَادِهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ ضَارَّ ضَارَّ اللَّهُ بِهِ وَمَنْ شَاقَّ شَاقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ»
(فَصْلٌ) وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يَجْتَنِبَ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَوْضِعُ يَحْتَاجُ إلَى مُؤْنَةٍ كَثِيرَةٍ يَطْلُبُ مِنْ صَاحِبِهِ بَعْضَهَا أَوَّلًا وَيُخْبِرُهُ أَنَّ ذَلِكَ كَافٍ لَهُ ثُمَّ إذَا كَانَ فِي أَثْنَاءِ الْعَمَلِ طَلَبَ زِيَادَةَ الْمُؤْنَةِ ثُمَّ كَذَلِكَ ثُمَّ كَذَلِكَ إلَى أَنْ يَأْخُذَ أَضْعَافَ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا وَهَذَا غِشٌّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَرَفَ صَاحِبُ الْبِنَاءِ جُمْلَةَ ذَلِكَ أَوَّلًا لَأَخَّرَ أَمْرَهُ إلَى أَنْ يُيَسَّرَ عَلَيْهِ فَأَوْقَعَهُ بِسَبَبِ الْكَذِبِ فِي التَّكَلُّفِ بِأَخْذِ الدَّيْنِ وَغَيْرِهِ إلَى تَمَامِ الْبِنَاءِ أَوْ أَكْثَرِهِ إذْ إنَّهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ لَا يُمْكِنُ تَرْكُهُ فِي الْغَالِبِ.
وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يَجْتَنِبَ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُمْ يُسْرِعُونَ فِي الْعَمَلِ لِكَيْ يُعْرَفَ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَأَنَّهُمْ يَنْصَحُونَ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيمَنْ يُسْرِعُ الْإِخْلَالُ بِالْعَمَلِ فَتَكُونُ طُوبَةٌ خَارِجَةٌ عَنْ حَدِّ الْجِدَارِ وَأُخْرَى دَاخِلَةٌ فِيهِ بِسَبَبِ الْإِسْرَاعِ وَذَلِكَ عَيْبٌ فِي الْعَمَلِ وَنَقْصٌ فِي الصَّنْعَةِ وَبِسَبَبِهِ يَحْتَاجُ إلَى التَّرْمِيمِ عَنْ قُرْبٍ لِضَعْفِ الْجِدَارِ بِسَبَبِ الْخَلَلِ الَّذِي بَيْنَ الطُّوبِ، وَكَذَلِكَ يَحْذَرُ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ مِنْ عَكْسِ هَذَا وَهُوَ أَنَّهُ يَأْخُذُ الطُّوبَةَ فِي يَدِهِ وَيَنْظُرُهَا وَيُقَلِّبُهَا وَيَنْحِتُهَا، وَلَا يَضَعُهَا فِي مَوْضِعِ الْعَمَلِ إلَّا بَعْدَ بُطْءٍ وَذَلِكَ مُضِرٌّ بِصَاحِبِ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَطَّلِعُ بِذَلِكَ مِنْ الْعَمَلِ إلَّا الْقَلِيلَ وَالْمُتَعَيَّنُ هُوَ الطَّرِيقُ الْوَسَطُ لَا الْإِسْرَاعُ الْمُخِلُّ بِالْعَمَلِ، وَلَا الْبُطْءُ الْمُضِرُّ بِصَاحِبِهِ {وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: ٦٧]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute