للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذِمَّتُهُمْ. ثُمَّ إنَّ الْغَالِبَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ الْأَحْكَامَ فِي عِبَادَتِهِمْ فَيَقَعُ الْخَلَلُ فِي حَجِّهِمْ وَلَرُبَّمَا يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ، وَهُوَ بَاقٍ عَلَى إحْرَامِهِ حُكْمًا لِمَا يَطْرَأُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُفْسِدَاتِ فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا} [الكهف: ١٠٣] {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: ١٠٤] نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ بِمَنِّهِ. فَلَيْسَ عَلَى الْمُكَلَّفِ أَنْ يَحْتَالَ فِي تَحْصِيلِ شَيْءٍ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ السَّلَامَةَ غَالِبًا فِي بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ وَذِمَّتُهُ الْآنَ بَرِيئَةٌ فَلَا يَشْغَلُهَا بِشَيْءٍ لَمْ يَتَحَقَّقْ بَرَاءَتُهَا مِنْهُ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْمُكَلَّفُ فِي نَفْسِهِ يُحِبُّ الْحَجَّ وَيَنْوِيهِ وَيَخْتَارُهُ؛ لِأَنَّ شَأْنَ الْمُسْلِمِ أَنْ يَخْتَارَ طَاعَةَ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَيُحِبَّهَا لَكِنْ يُقَيِّدُ مَحَبَّتَهُ بِامْتِثَالِ الْأَمْرِ فِيهَا وَلَمْ يَأْمُرْهُ الشَّرْعُ بِأَنْ يُوَفِّرَ وَيَحْتَالَ وَيَتَسَبَّبَ فِي وُجُوبِ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِشَرْطِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُهُ، فَإِنْ تَرَكَهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فَهُوَ عَاصٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ تَرَكَ ذَلِكَ بِسَبَبِ رِضَا وَالِدَيْهِ لِئَلَّا يَعُقَّهُمَا فَيَتَرَبَّصَ عَلَيْهِمَا الْعَامَ وَالْعَامَيْنِ أَوْ يَكُونُ لَهُ عُذْرٌ مِنْ مَرَضٍ وَغَيْرِهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤَخِّرَهُ إلَى السَّنَةِ الْآتِيَةِ.، وَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا يُنْفِقُهُ فِيهِ وَيَحْتَجُّ بِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ هُوَ بِهَا مُتَطَوِّعٌ وَالْحَجُّ فَرْضٌ عَلَيْهِ وَالتَّطَوُّعُ لَا يَسُدُّ مَسَدَّ الْوَاجِبِ، وَإِنَّمَا الَّذِي لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّوْفِيرُ وَالِاحْتِيَالُ عَلَى تَحْصِيلِ مَا يَحُجُّ بِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ مَعْرِفَةُ أَحْكَامِهِ وَمَا يَلْزَمُهُ فِيهِ مِنْ الْأَفْعَالِ مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ أَوْ يَحْرُمُ أَوْ يُنْدَبُ أَوْ يُكْرَهُ أَوْ يُبَاحُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَتَعَبَّدْ أَحَدًا بِالْجَهْلِ. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: ٤٣] وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» قَالَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَا وَجَبَ عَلَيْك عَمَلُهُ وَجَبَ عَلَيْك الْعِلْمُ بِهِ. فَأَوَّلُ ذَلِكَ أَنْ يَنْظُرَ الْمُكَلَّفُ إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ فِي أَمْرِ الزَّادِ وَمَا يُنْفِقُهُ فِي حَجِّهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ أَطْيَبِ جِهَةٍ تُمْكِنُهُ؛ لِأَنَّ الْحَلَالَ يُعِينُ عَلَى الطَّاعَةِ وَيُكَسِّلُ عَنْ الْمَعْصِيَةِ. وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «مَنْ أَكَلَ الْحَلَالَ أَطَاعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>