للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذَا حَجَجْت بِمَالٍ أَصْلُهُ سُحْتٌ ... فَمَا حَجَجْت وَلَكِنْ حَجَّتْ الْعِيرُ

وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي آدَابِ الْمُسَافِرِ لِلتِّجَارَةِ مَا تَقَدَّمَ فَفِي حَقِّ هَذَا آكَدُ؛ لِأَنَّ سَفَرَهُ لِمَحْضِ الْعِبَادَةِ فَيَكُونُ النَّظَرُ فِي تَخْلِيصِ مَا يُنْفِقُهُ فِي حَجِّهِ أَوْجَبَ. وَلِأَجْلِ هَذَا الْمَعْنَى كَانَ الدِّرْهَمُ الَّذِي يُنْفِقُهُ فِي الْحَجِّ بِسَبْعِمِائَةٍ أَوْ أَكْثَرَ. وَرَوَى يَزِيدُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «النَّفَقَةُ فِي الْحَجِّ كَالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِسَبْعِينَ ضِعْفًا» ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَيَنْبَغِي لِمَنْ يُرِيدُ الْحَجَّ أَنْ يَمْتَثِلَ السُّنَّةَ أَوَّلًا فِي الِاسْتِخَارَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُسَافِرِ لَكِنَّ الِاسْتِخَارَةَ هُنَا لَيْسَتْ كَمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِخَارَةَ فِي فِعْلِ الْوَاجِبِ لَا مَحَلَّ لَهَا وَكَذَلِكَ الِاسْتِخَارَةُ فِي تَرْكِ الْمُحَرَّمِ وَالْمَكْرُوهِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ الِاسْتِخَارَةُ هُنَا هَلْ يَفْعَلُهُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَوْ السَّنَةِ الْآتِيَةِ وَهَلْ يُرَافِقُ فُلَانًا أَمْ لَا وَهَلْ يَكْتَرِي مَعَ فُلَانٍ أَمْ لَا وَهَلْ يَشْتَرِي الْمَرْكُوبَ أَوْ يَكْتَرِيهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ

وَالشَّظَفُ فِي الْحَجِّ أَوْلَى مَا يَفْعَلُهُ الْمُكَلَّفُ؛ لِأَنَّهَا السُّنَّةُ الْمَاضِيَةُ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ فَيَرْكَبَ فِي الْمَحْمَلِ، وَإِنْ كَانَ بِدْعَةً لَكِنْ لَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَأَرْبَابُ الضَّرُورَاتِ لَهُمْ أَحْكَامٌ تَخُصُّهُمْ، وَإِنَّمَا كَانَ بِدْعَةً؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ، وَأَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَهُ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ فَرَكِبَ النَّاسُ سُنَّتَهُ وَكَانَ الْعُلَمَاءُ فِي وَقْتِهِ يُنْكِرُونَهَا وَيَكْرَهُونَ الرُّكُوبَ فِيهَا.

قَالَ الْإِمَامُ أَبُو طَالِبٍ الْمَكِّيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِهِ وَأَخَافُ أَنَّ بَعْضَ مَا يَكُونُ مِنْ تَمَاوُتِ الْإِبِلِ يَكُونُ ذَلِكَ سَبَبَهُ لِثِقَلِ الْمَحْمَلِ وَثِقَلُهُ عَدْلُ أَرْبَعَةِ أَنْفُسٍ وَزِيَادَةٍ مَعَ طُولِ الْمَشَقَّةِ وَقِلَّةِ الْمَطْعَمِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ كَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا نَظَرَ إلَى مَا أَحْدَثَ الْحَجَّاجِ مِنْ الزِّينَةِ وَالْمَحَامِلِ يَقُولُ إنَّ الْحَجَّ قَلِيلٌ وَالرَّكْبَ كَثِيرٌ.

فَإِذَا اسْتَخَارَ اللَّهَ تَعَالَى وَاسْتَشَارَ فَانْشَرَحَ صَدْرُهُ عَقِيبَ اسْتِخَارَتِهِ لِفِعْلِ الْحَجِّ بَادَرَ إلَى الشُّرُوعِ فِي أَسْبَابِهِ؛ لِأَنَّ الْمُسَارَعَةَ إلَى بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ أَوْجَبُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَتَغَيَّرُ الْأَحْوَالُ فَلَا يَجِدُ الْقُدْرَةَ عَلَيْهِ بَعْدُ. وَقَدْ خَرَّجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>