إلَى هَذَا الْوَلَدِ مَا أَقَلَّ أَدَبَهُ أَبُوهُ يَمْشِي عَلَى أَقْدَامِهِ، وَهُوَ رَاكِبٌ فَقَالَ لِوَلَدِهِ: انْزِلْ فَنَزَلَ عَنْ الدَّابَّةِ وَمَشَيَا عَلَى أَرْجُلِهِمَا وَتَرَكَا الدَّابَّةَ تَمْشِي دُونَ رَاكِبٍ عَلَيْهَا فَقَالُوا: مَا أَقَلَّ عَقْلَ هَذَانِ يَمْشِيَانِ عَلَى أَقْدَامِهِمَا وَالدَّابَّةُ لَا رَاكِبَ عَلَيْهَا أَوْ كَمَا جَرَى فَقَالَ لِوَلَدِهِ اُنْظُرْ إلَى هَذَا الْأَمْرِ وَاعْتَبِرْ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يَسْلَمُ أَحَدٌ مِنْ الْقِيلِ وَالْقَالِ فِيهِ، وَإِنْ عَمِلَ مَا عَمِلَ وَقَدْ رَأَيْته عِيَانًا فَعَلَّمَ وَلَدَهُ تَرْكَ النَّظَرِ لِلْمَخْلُوقِ بِالْفِعْلِ.
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَكَابِرِ السَّلَفِ نَظَرْت إلَى النَّاسِ فَرَأَيْتهمْ مَوْتَى فَكَبَّرْت عَلَيْهِمْ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ فَالْعَاقِلُ اللَّبِيبُ مَنْ أَخَذَ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ وَأَقْبَلَ عَلَى الِامْتِثَالِ بِكُلِّيَّتِهِ وَتَرَكَ الِالْتِفَاتَ لِلْمَخْلُوقِ حَتَّى لَا يَخْطِرَ لَهُ غَيْرُ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي كُلِّ حَرَكَةٍ وَسُكُونٍ، فَإِذَا رَأَى الْبِدَعَ تَكْثُرُ وَالْعَوَائِدَ تُفْعَلُ وَبَعْضَ النَّاسِ يَسْخَرُونَ بِهِ وَيَسْتَهْزِئُونَ مِنْهُ فَلِيَشُدَّ يَدَهُ عَلَى مَا مَنَّ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ الِامْتِثَالِ وَيَحْرِصْ عَلَى الزِّيَادَةِ مِمَّا هُوَ فِيهِ. لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعَمَلُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ مَعِي» وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِلْعَامِلِ مِنْهُمْ أَجْرُ خَمْسِينَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ قَالَ بَلْ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّكُمْ تَجِدُونَ عَلَى الْخَيْرِ أَعْوَانًا وَلَا يَجِدُونَ عَلَى الْخَيْرِ أَعْوَانًا» وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَيْفَ بِك يَا حُذَيْفَةُ إذَا تَرَكْت بِدْعَةً قَالُوا تَرَكَ سُنَّةً» وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا مَا هُوَ مِنْ طَرِيقِ النَّقْلِ. وَأَمَّا مَا هُوَ مِنْ طَرِيقِ الْعَقْلِ، فَإِنَّ الْفَارِسَ الشُّجَاعَ لَا يُعْرَفُ إلَّا وَقْتَ الْهَزِيمَةِ وَأَيُّ هَزِيمَةٍ أَعْظَمُ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ فِي هَذَا الزَّمَانِ. أَلَا تَرَى إلَى مَا احْتَوَتْ عَلَيْهِ قِصَّةُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَمَّا أَنْ كَتَبَ إلَى سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنْ اُكْتُبْ إلَيَّ سِيرَةَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي النَّاسِ فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسِيرَ بِهَا فَكَتَبَ إلَيْهِ. أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّك لَسْت فِي زَمَانِ عُمَرَ وَلَا لَك رِجَالٌ كَرِجَالِ عُمَرَ فَإِنْ عَمِلْت فِي زَمَانِك هَذَا وَرِجَالِك هَؤُلَاءِ بِسِيرَةِ عُمَرَ فَأَنْتَ خَيْرٌ مِنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَعَ سِيرَتِهِ الْحَسَنَةِ فَمَا بَالُك بِزَمَانِنَا هَذَا فَيَحْتَاجُ مَنْ عَلِمَ شَيْئًا مِنْ السُّنَنِ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَنْ يُحَافِظَ عَلَيْهَا وَيَعْمَلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute