للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَعْتَمُّونَ حَتَّى تَطْلُعَ الثُّرَيَّا وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ طُلُوعَهَا إنَّمَا يَكُونُ فِي زَمَانِ الْحَرِّ فَيُزِيلُونَهَا عَنْ رُءُوسِهِمْ، وَمَنْ فَعَلَ مِثْلَ هَذَا فِي هَذَا الزَّمَانِ كَأَنَّهُ ابْتَدَعَ بِدْعَةً فِي الدَّيْنِ حَتَّى أَنَّهُمْ لَيَرُدُّونَ شَهَادَتَهُ وَيَقَعُونَ فِي حَقِّهِ بِنِسْبَتِهِ أَنَّهُ دَاخِلٌ بِذَلِكَ فِي جُمْلَةِ الْمُوَلِّهِينَ وَأَنَّهُ لَيْسَتْ لَهُ مُرُوءَةٌ بِسَبَبِ مَا ارْتَكَبَهُ مِنْ ذَلِكَ فَرَجَعَ فِعْلُ السَّلَفِ جُرْحَةً فِي حَقِّ مَنْ اقْتَدَى بِهِمْ، وَهَذَا عِنْدَهُمْ بِخِلَافِ مَنْ حَضَرَ السَّمَاعَ وَرَقَصَ وَسَقَطَتْ عِمَامَتُهُ وَظَهَرَ مِنْهُ فِعْلُ الْمَجَانِينِ، وَمَا يُذْهِبُ الْمُرُوءَةَ وَالْحِشْمَةَ بِالْكُلِّيَّةِ فَإِنَّهُمْ لَا يُسْقِطُونَهُ وَرُبَّمَا نَسَبُوهُ إلَى الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ وَرُبَّمَا اعْتَقَدُوهُ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ. فَانْظُرْ رَحِمَك اللَّهُ وَإِيَّانَا إلَى هَذِهِ النُّصُوصِ الصَّرِيحَةِ مِنْ أَئِمَّتِنَا فِي الْعِمَامَةِ وَمَا تَكَلَّمُوا عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: إنَّ الْعِمَامَةَ دُونَ تَحْنِيكٍ وَدُونَ عَذْبَةٍ جَائِزَةٌ لَيْسَتْ بِمَكْرُوهَةٍ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ اللُّبْسَ مِنْ بَابِ الْمُبَاحِ وَتَرَكَهُ وَمَضَى.

فَانْظُرْ إلَى هَذَا الِاسْتِدْلَالِ الْعَجِيبِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ لِلْعُلَمَاءِ فِيهَا مِنْ النُّصُوصِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَيْسَ اللُّبْسُ مِنْ قَبِيلِ الْمُبَاحِ مُطْلَقًا. أَلَا تَرَى أَنَّ الْفَرْضَ مِنْهُ فِي حَقِّ الرَّجُلِ أَنْ يَسْتُرَ مِنْ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتِهِ وَفِي حَقِّ الْمَرْأَةِ أَنْ تَسْتُرَ جَمِيعَ بَدَنِهَا إلَّا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ، وَالسُّنَّةُ فِي حَقِّ الرَّجُلِ أَنْ يَسْتُرَ جَمِيعَ جَسَدِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ فِيهِ فَهُوَ مَطْلُوبٌ بِذَلِكَ لِأَجْلِ الِامْتِثَالِ، ثُمَّ الْعِمَامَةُ عَلَى صِفَتِهَا فِي السُّنَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَالرِّدَاءُ فِي الصَّلَاةِ مَطْلُوبٌ شَرْعًا، وَكَذَلِكَ هُوَ مَطْلُوبٌ فِي الشَّرْعِ بِالْخُرُوجِ إلَى الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ بِثِيَابٍ غَيْرِ ثِيَابِ مِهْنَتِهِ، فَأَيْنَ الْمُبَاحُ الْمُطْلَقُ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ كُلُّهُ مَطْلُوبٌ فِي الشَّرْعِ الشَّرِيفِ، ثُمَّ لَوْ تَنَزَّلْنَا مَعَهُ إلَى مَا قَالَهُ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُبَاحِ فَالْأَكْلُ أَيْضًا مِنْ قَبِيلِ الْمُبَاحِ، لَكِنَّ السُّنَّةَ فِيهِ أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ تَعَالَى عِنْدَ أَوَّلِهِ وَيَأْكُلَ بِيَمِينِهِ، وَلَا يَأْكُلُ بِيَسَارِهِ وَأَنْ لَا يَنْهَشَ الْخُبْزَ كَاللَّحْمِ وَأَنْ يُصَغِّرَ اللُّقْمَةَ وَيُكْثِرَ مَضْغَهَا وَأَنْ يَكُونَ الْمَاءُ حَاضِرًا وَأَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى عِنْدَ آخِرِهِ، وَكَذَلِكَ فِي شُرْبِهِ الْمَاءَ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا، وَكَذَلِكَ الدُّخُولُ إلَى الْبَيْتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>