مَوْضِعُ الْقِنَاعِ قَالَ: وَفِي حَدِيثِ بَدْرٍ فَانْكَشَفَ قِنَاعُ قَلْبِهِ فَمَاتَ. قِنَاعُ الْقَلْبِ غِشَاؤُهُ تَشْبِيهًا بِقِنَاعِ الْمَرْأَةِ، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ الْمِقْنَعَةِ. وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ أَنَّهُ رَأَى جَارِيَةً عَلَيْهَا قِنَاعٌ فَضَرَبَهَا بِالدُّرَّةِ وَقَالَ أَتَتَشَبَّهِينَ بِالْحَرَائِرِ، وَقَدْ كَانَ يَوْمَئِذٍ مِنْ لِبَاسِهِنَّ انْتَهَى. فَمَا نَقَلُوهُ دَلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمِقْنَعَةَ وَالْقِنَاعَ مَعًا مُخْتَصَّانِ بِالْمَرْأَةِ، وَأَمَّا قِنَاعُ الرَّجُلِ، وَهُوَ أَنْ يُغَطِّيَ رَأْسَهُ بِرِدَائِهِ وَيَرُدَّ طَرَفَهُ عَلَى أَحَدِ كَتِفَيْهِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالنِّسَاءِ إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ كَحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْذَارِ، وَالرِّدَاءُ هُوَ السُّنَّةُ، وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى كَتِفَيْهِ دُونَ أَنْ يُغَطِّيَ بِهِ رَأْسَهُ، فَإِنْ غَطَّى بِهِ رَأْسَهُ صَارَ قِنَاعًا كَمَا تَقَدَّمَ.
وَأَمَّا الطَّيْلَسَانُ الْمَعْهُودُ فِي هَذَا الزَّمَانِ فَيُكْرَهُ لِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، فَإِنْ كَانَ لِضَرُورَةٍ كَحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَكَلَّفَ هَذَا التَّكَلُّفَ الَّذِي يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ الْيَوْمَ فِيهِ وَمَا لَمْ يَخْرُجُ بِهِ إلَى حَدِّ هَذَا الْكِبَرِ الشَّنِيعِ، وَكَذَلِكَ الْعِمَامَةُ أَيْضًا وَالْبَقْيَارُ الَّذِي يُرْسِلُونَهُ بَيْنَ أَكْتَافِهِمْ لَا بَأْسَ بِهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ حَرِيرًا خَالِصًا، وَلَا غَالِبُهُ وَلَمْ يَخْرُجْ بِهِ إلَى حَدِّ هَذَا الْكِبَرِ وَأَنْ يَنْظُرَ إلَى عِطْفِهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحِينٍ فَيَعْدِلُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْظُرَ إلَى لِبَاسِهَا وَزِينَتِهَا وَتَعْدِيلِهَا؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الشَّهْوَةِ فَالزِّينَةُ وَالتَّعْدِيلُ لَهَا زِيَادَةٌ لِلرَّجُلِ فِي بَاعِثِ الشَّهْوَةِ لَهَا، وَذَلِكَ بِخِلَافِ الرَّجُلِ فَيَكْفِيهِ مِنْ الزِّينَةِ لُبْسُ الْحَسَنِ مِنْ الثِّيَابِ لَا غَيْرُ دُونَ أَنْ يَخْرُجَ بِهِ إلَى مَا يَفْعَلُهُ النِّسَاءُ مِنْ الزِّينَةِ وَالتَّعْدِيلِ الْخَارِجِ عَنْ عَوَائِدِ مَنْ مَضَى مِنْ الرِّجَالِ أَوْ لُبْسِ حَرِيرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُ مَنْ يُنْسَبُ إلَى الْعِلْمِ الْيَوْمَ، فَتَجِدُ كُمَّ أَحَدِهِمْ لَهُ سِجَافٌ مِنْ حَرِيرٍ نَحْوُ شِبْرٍ، وَكَذَلِكَ فِي أَذْيَالِ ثَوْبِهِ وَذَلِكَ شَرَفٌ وَخُيَلَاءُ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ مِنْ الْحَرِيرِ فِي ثَوْبِ الرَّجُلِ الْخَيْطُ الرَّقِيقُ وَذَلِكَ قَدْرُ الْأُصْبُعِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَالْخِلَافُ مَشْهُورٌ مَعْرُوفٌ إلَى كَمَالِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute